الاقتصاد التونسي في الفترة الحديثة
- الاقتصاد التونسي في العصر الحديث
1-
الإنتاج الزراعي :
عرف الإنتاج الزراعي بتونس
على غرار الولايات المغاربية الأخرى تطورا ملحوظا طيلة القرنين السبع عشر و الثامن
عشر للميلاد . حيث زرعت الأشجار المثمرة و أنواع الخضر و البقول و أنواع الحبوب. و
في المناطق الداخلية التي تشح فيها الأمطار كان الإنتاج الزراعي يعتمد أساسا على
ممارسة الزراعة المسقية ( البعلية) . و قد يلتجئ إلى السقي بحفر الآبار و استغلال
العيون مع ممارسة تربية الحيوانات و الاشتغال
بالرعي الموسمي ، كما هو الحال بالظهر التونسي و الجريد ، و قد ارتبط الإنتاج
الزراعي الكثيف بالجهات الساحلية الخصبة حيث ينتشر العمران و يتكاثر السكان .
و يعود الفضل في تطوير
الإنتاج الزراعي و تنويعه في المناطق الساحلية إلى المزارعين الأندلسيين الذين
أحيوا الهناشير ( المزارع و الضيعات ) . و استصلحوا الأراضي ، و جففوا المستنقعات
و أدخلوا أساليب ملائمة لخدمة الأرض ، و أنشؤوا الطرقات ، و أقاموا (النواعير) : و
مدوا القنوات و أنشأوا العيون و القناطر و حفروا الآبار ، فتوافرت بفضل جهودهم
بجهات الوطن القبلي ، و مجردة الأسفل شبكة مائية متطورة .
كما نجح الأندلسيون في إدخال
مزروعات جديدة لبلاد المغرب خاصة تونس لم
تكن معروفة أو شائعة مثل الفلفل ، البطاطس ، الباذنجان ، الزعفران ، الجلبان ،
أنواع الزهور والقطن ، و توسعوا في زراعات أصابها الإهمال مثل زراعة التوت لتربية
دودة الحرير " دودة القز " و
العنب و التين و الزيتون ، فقد عمل شيخ الأندلسيين مصطفى قردناشي على تجديد غابة
الزيتون .
و قد سعى بعض الحكام لزيادة
الإنتاج الزراعي و ذلك بالتخفيف من أعباء الجباية والاعتناء بأمور الفلاحة ، فلم
يبخلوا بتقديم إعانات مالية للفلاحين على أن
يتم تسديدها بعد الحصاد و هذا ما
يعرف بالمشترى في كل من تونس و طرابلس أما في الجزائر فيسمى السلفية أو الصارمة .
فقد ذكر في هذا الشأن ابن أبي
الضياف على سياسة الباي حسين بن علي (1705-1740م)الزراعية :" قد سعدت بها
المملكة و أهلها ... و امتلأت أيديهم بالمكاسب ، فأثارا الأرض و عمرها بالحبوب و
الأشجار و خفف على الفلاحين من أثقال المغارم و ما قوى به الأمل وأعزى على العمل
..."
وذكر في عهد علي باي
(1759-1782م) :"أن الفلاحة لم تلبث أن نمت فيه في أسرع وقت نموا واضحا و
ازداد دخل العشر على الدخل المعهود من المشترى زيادة كبير "
و قد أشار حمودة بن عبد
العزيز في الكتاب الباشي إلى وضع الفلاحة على عهد حمودة باشا بقوله "و كثرت
الفلاحة و الزراعة كثرة لم تقف عند حد و لا بلغت إلى نهاية ، و تزاحم الناس على
الأرض شراء و كراء " .
و عرف الإنتاج الزراعي في
تونس مطلع القرن 19 م تراجعا ، و ذلك راجع إلى انتشار الأوبئة وظهور المجاعات ، و
تناقص السكان ، و زيادة الضغط الجبائي على الأرياف وتطبيق سياسة إخضاع القبائل عن
طريق شن حملات العسكرية ، و انقطاع سبل الهجرة الأندلسية و انحسار أثارها في
المناطق التي استقرت بها أثناء القرن 18 م ، دون أن ننسى الآثار السلبية لهجمات
الأساطيل الأوربية على المدن الساحلية و فحوصها .
2- الإنتاج الحرفي :
يتركز الإنتاج الحرفي في
المدن الرئيسية ، تونس ، صفاقس و سوسة ، حيث ظل الصناع يزاولون مهنهم معتمدين على
المهارة اليدوية و التقاليد المتوارثة و مستخدمين المواد الأولية المتوافرة محليا مثل الصوف ز الجلود ز الأخشاب
و المعادن و ذلك لتلبية الحاجيات الضرورية لسكان الأرياف و ترضية المطالب الكمالية
لسكان المدن ، و قد ساعد على تركز الحرف في مدن تونس اعتناء الحكام وتشجيعهم ووجود
حرفيين الأندلسيين و اليهود الذين اشتهروا بمهارتهم و جودة مصنوعاتهم ،فتوزعت
المشاغل اليدوية و الورشات التقليدية في أزقة و حارات ( أحياء) عرفت بأسماء
الصناعات التي اختصت بها و نسبت غلى أصحابها مثل الشواشية ( صناع الفلانس ) ،
البشماقجية أو البلاغجية ( صناع الأحذية )
الصباغين ، النحاسين ، الحدادين ، النجارين ...
من أهم الصناعات المحلية التي
عرفت رواجا :
أ-
صناعة النسيج :
اشتهرت بها الكثير من المدن :
تونس ، زغوان ، سوسة ، القيرول و جربة و تنوعت إلى عدة صناعات أهمها صناعة الشاشية
و الأقمشة و الأغطية و الزرابي ، فقد برع في صناعة الشاشية والتطريز و أعمال
الشبكية (Dentelles ) و القفاطين و الصدريات والسراويل و الأحزمة
الصناع الأندلسيون في كل من تونس و زغوان ، فحسب رواية بايصونال (1724م) كانت مشاغل
الشاشية بمدينة تونس تنتج سنويا 40 ألف زويجة وتشغل 15 ألف شخص .
و قد اشتهرت مدينة تونس بمصنع
الكتان و الحرير و الصوف المنتشرة حسب صف دي فونتان في مختلف الأحياء ، كما عرفت
جربة بالتالات الممتازة و البطانيات الصوفية الجيدة ، و مناطق الجريد بالمنسوجات
الصوفية و البرانس .
ب-
صناعة الحدادة و الأسلحة و الذخيرة :
توزعت في ورشات المدن ، و
انتشرت ببعض الجهات الجبلية فهناك مصنع البارود بمدينة تونس ، وفي ورشة القصبة
تصنع المدافع ، و قد جلب لها علي باشا أحد الصناع الطولونيين سنتي 1743-1744م ، و
قد تدعمت هذه الصناعة عندما أقام حمودة باشا مصنعا لنفس الغرض بأحد أجنحة قصر
الحفصية ظل يعتمد على الخبرة الأوربية في صناعة الأسلحة .
ج- صناعة الجلود :
كانت هذه الصناعة رائجة في
المدن و البوادي و تستعمل الجلود المعالجة لصناعة السروج و المحافظ والأحذية و
أغمدة السيوف و الأحزمة و الدزدان ( حافظة النقود ) و الجبيرة لحمل الأوراق والأشياء
الثمينة ، و قد اشتهر صناع تونس بجودة مصنوعاتهم الجلدية التي نافست ما كان يصنع
في فاس ومراكش .
د- صناعة الخشب و بناء السفن
:
تعتمد على الأخشاب المحلية
لصناعة الأدوات المنزلية ، كما تعتمد على الأخشاب الجيدة المستوردة لبناء السفن
الشراعية ، في ميناء حلق الوادي تم فيه صنع العديد من السفن ابتداء من سنة 1764م
بالاعتماد على الآلات و المواد التي كانت تقدمها فرنسا ، و هذا ما جعل الأسطول
التونسي على عهد حمودة باشا يزداد قوة و بسرعة فائقة حسبما أشارت إليه مراسلة من
القنصلية الانجليزية بتونس إلى الحكومة الانجليزية سنة 1791 م .
ه- صناعة الخزف و الأدوات
الفخارية :
كانت توفر الأدوات الضرورية
للاستعمال المنزلي و لغرض البناء و الزينة ، و قد اشتهر بها أهالي نابل و جربة و
زرريس بصناعة الجرار و الصحون و القصاع و القدور و الفناجين التي عرفت إقبالا
كبيرا لجودتها ، و لقد مهر الصناع الأندلسيون في صناعة نوع جيد من الخزف المكسو
بالطلاء المعروف بالزليج (Ceramique
) و الذي كان
يستعمل لتغطية أرضية المنازل و كساء الجدران و تزيين المساجد و العيون و الأبواب ،
إضافة غلى الرخام ، الجبس ، الأجر ، القرميد ..
و- صناعة المجوهرات و الحلي :
اشتهرت بها العائلات الحضرية
من الأندلسيين و اليهود بالنسبة للذهب ، أما صناعة الحلي الفضية فهي منتشرة خاصة في
الأرياف بالجريد ، و أرقى صناعة الحلي كانت توجد بمدينة تونس حيث كانت تصنع أنواع
راقية من الحلي اشتهرت منها الأحزمة المرصعة و الأساور المنقوشة ( Bracelets ) و
الخلاخل الرفيعة و الأقراط ...
ذ- صناعة المستحضرات و
العقاقير :
انتشرت في المدن و البوادي ،
و اشتهرت منها خاصة صناعة تقطير ماء الورد و الزهر من الورود بمدينة تونس ،
قرنبالية ، سليمان و زغوان ، و هي صناعة توارثتها الأسر الأندلسية ، تحضير الصابون،
تحضير الخل ، و صنع الخمر .
كل هذه الصناعات اليدوية و
الحرف التقليدية لم تعرف تطورا من حيث النوعية أو الكمية ، و ذلك لعدة عوامل منها
، منافسة المصنوعات الأوربية المستوردة ، ثقل الضرائب المفروضة ، جمود النقابات
المهنية .....
3- المبادلات التجارية ،
أصبحت مدينة تونس محورا
للتبادل التجاري بالإيالة التونسية بعد أن اهتم الحكام بتطوير أسواقها المنتشرة
داخا أسوارها و بالقرب من أبوابها ، فقد أصلح الباي يوسف حي التجار ، و اعتنى بسوق
الغزل ، و أحد سوق جديدة ( سوق الجزية ) .
و طور ما كان موجودا مثل سوق
الأحذية و سوق العبيد وسوق الترك المخصص للخياطين الأتراك ، كما أنشأ مراد باي سوق
القماش .
و قد ارتبطت أغلب المدن
الرئيسية للولايات العثمانية بالتبادل التجاري المحلي عن طريق القوافل ، و أهم
المبادلات المغاربية إلى تونس : الشمع ، الجلود المجففة ، قطعان المواشي و الغنم و
الأبقار التي تقدر قيمتها بحوالي 10 ألف قرش إسباني سنة 1806م أما ما تصدره تونس
إلى الولايات العثمانية: حمولات من الشاشية ، الأقمشة ، الحلي و العطور والأدوات الحديدية و التوابل ... و
غيرها .
أما في إطار التبادل التجاري
لخارجي ، أصبحت بنزرت ، تونس ، سوسة ، و صفاقس على اتصال مباشر مع العديد من
الموانئ المشرفة لاسيما اسطنبول ، إزمير ، بيروت والإسكندرية و قد وصلت من هذه الموانئ إلى تونس 29 سفينة
تجارية ما بين سنتي 1792و 1797م ، و 126 سفينة ما بين 1820 -1826 م كما حافظت تونس
على علاقات تجارية وثيقة مع الموانئ الأوربية الرئيسية على البحر الأبيض المتوسط (
مالطا ، نابولي ، ليفورن ، جنوة ، البندقية ، مرسيليا ، برشلونة ن أليكانت ، جبل
طارق ) و قد وصلت إلى ميناء تونس 133 سفينة ليفورن بين 1794-1830 م
بينما صدرت تونس إلى أوربا
:99433 لتر من الزيت ، و 6 ألف طن من الحبوب .
لقد سجلت مبادلات تونس مع
فرنسا سنة 1787 م عجزا قيمته 610046 ليرة ، إذ قدرت الواردات من فرنسا ب 5239649
ليرة بينما لم تتجاوز الصادرات من تونس 4629603 ليرة
.
التعليقات على الموضوع