اللغة خاصية إنسانية -دافع عن صدق هده الأطروحة
اللغة خاصية إنسانية -دافع عن صدق هده الأطروحة ki
طرح المشكلة :
ان ملاحظة سلوك الحيوانات تكشف لنا أنها تمتلك أنظمة تواصلية متفاوتة التعقيد, تستطيع من خلالها التعبير عن حاجاتها الانفعالية ,والبيولوجية, فهي مثلا فهي مثلا تستطيع التعبير عن الألم والمتعة والاستغاثة والتحذير من وجود خطر من خلال بعض الأصوات ا.التي تصدر عنها وعن طريق بعض الحركات التي تؤديها و التي تعبر في مجملها عن لذة أو خوف و ما الي دلك من انفعالات.هدا ما يدفع عامة الناس إلي الاعتقاد بان الحيوان يملك لغة شانه في دلك شان الإنسان, ابعد من دلك نقف علي هدا الاعتقاد لدي بعض الفلاسفة من أمثال الفيلسوف الفرنسي "مونتاني" وبعض العلماء من أمثال " كارل فون فريش" م خلال دراسته لسلوك التواصلي لدي النحل.الا ان هده الأطروحات تبدو غير مقبولة ومستبعدة لدي الكثير من الفلاسفة و اللسانيين الدين يعتقدون أن اللغة خاصية إنسانية .فكيف لنا ان نبرهن علي صحة هذه الأطروحة
محاولة المشكلة :
-1- عرض منطق الاطروحة:
ان تحديد مفهوم اللغة يتطلب منا اولا الوقوف علي الدلالة المعجمية لها.فكلمة لغة في اللسان العربي مشتقة من اللغو وهو الكلام الغير المفيد, أما في اللسان العربي لابن منظور فهي كلمات يعبر بها قوم عن أغراضهم,و هو تعريف يركز علي البعد التواصلي للغة .
" التى تعنى الكام والخطاب. Langua في اللغة الفرنسية مشتقة من كلمة " Langue إنّ كلمة "
اما الكلمة اليونانية "لوغوس" فلها معاني متعددة منها اللسان والكلام والخطاب والعقل, يتحدد معناها تبعا للسياق الذي ترد فيه .
ان هذه التعاريف ذات الطابع اللغوي تبقي غير دقيقة, ما يستدعي البحث عن مفهوم اللغة في الحقل الفلسفي واللساني .فادا نحن عدنا الي المعجم الفلسفي ل"لالاند" نجده يحددها بمعنين:
المعني الخاص: هي وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر .
المعني العام : كل نسق من العلامات يمكن من التواصل
اما ادا عدنا الي معجم اللساني " لاروس" فاننا نجده يحدد اللغة علي انها : " القدرة علي التواصل بواسطة نسق من العلامات الصوتية"اللسان" و هي قدرة تتطلب وظيفة رمزية ومراكز عصبية متخصصة وراثيا"
نستخلص من هده التحديدات لمفهوم اللغة انها من حيث هي كلام لا يمكن الا ان تكون خاصة بالإنسان القادر علي إنتاج الفكر والتعبير عنه كلاميا وهو مضمون ما تدافع عنه الأطروحة المعطاة’والتي يقوم منطق طرحها علي اعتبار اللغة مرتبطة بالعقل وهو الفاصل بين الإنسان و الحيوان
-2- اثبات الاطروحة:
يذهب الفيلسوف الفرنسي ديكارت الي اعتبار اللغة من حيث هي كلام هي خاصية إنسانية ما دامت ترتبط بمقومات الفكر, فالأبله بالرغم من نقص قدراته العقلية يستطيع ان ينتج أفكارا و يعبر عنها انطلاقا من التأليف بين مختلف الكلمات ’بينما لا يستطيع الحيوان الذي هو أكمل نوعه فعل دلك .فهناك فوارق جوهرية بين اللغة الانسانية وما نسميه مجازا لغة حيوانية ’ ان اللغة الإنسانية هي لغة ابداعية و متطورة و غنية بالدلالات عكس لغة الحيوان التي تبقي عند حدود الاستجابة الغريزية الموصوفة بالنمطية و الثبات ما يجعلها عاجزة عن التطور. ان الاختلاف بينهما عند ديكارت ليس هو اختلاف من طبيعة فيزيولوجية لان المقارنة البسيطة بين الببغاء و الأبكم مثلا تكشف لنا مدي الفارق بينهما ,فالببغاء رغم امتلاكه لأعضاء الكلام فانه عاجز عن أنتاجه كما يفعل الانسان دلك انه لا يعي ما يردده من كلمات ما دام لا يملك عقلا ,علي عكس ما نجده عند الأبكم فهو رغم انه يفتقد للقدرة علي الكلام فانه مع دلك يملك القدرة علي استعمال اللغة (الاشارات)و هو يعي ما يريد تبليغه, ما يجعل اللغة وظيفة عقلية لا فيزيولوجية.(التمييز بين النطق كوظيفة عصوية والكلام كوظيفة عقلية)
في نفس السياق يحدد "إميل بنفيست " ثلاثة خصائص تميز اللغة الانسانية عن اشكال التواصل لدي الحيوان هي :
-1- الارتكاز علي الصوت: ما يمكن الانسان من التواصل في عدة اوضاع
-2- تحرر العلامة اللسانية من الموضوع الخارجي الدي تشير اليه باعتبار اللغة تجريدية لم توضع لتشير لمواضيع في الخارج علي حد تعبير "ارنست كاسيرر"
-3- قابلية اللسان للتفكيك الي وحدات صوتية قابلة للتأليف وإعادة التاليف الي ما لا نهاية ما يجعلها لغة ابداعية
و هو ما يعززه ايضا " اندري مارتييه" في ما يسميه " بالتمفصل المزدوج" كخاصية مميزة للغة الكلامية عند الانسان عن وسائل الاتصال عند الحيوان وهو يقصد بمفهوم التمفصل المزدوج’ ان اللغة الكلامية الإنسانية تتمفصل الي وحدات صغري دالة هي ما يسمي بالمونيمات ثم الي وحدات صوتية غير دالة هي الفونيمات فادا أخدنا الجملة التالية : اكل الطفل الطعام نلاحظ ان هده الجملة تتمفصل الي مونيمات هي : اكل/ال/طفل/ال/طعام/ وهي وحدات دالة’هده المونيمات تنحل بدورها الي وحدات صغري غير دالة ا/ك/ل في كلمة اكل و ط/ف/ل في كلمة طفل هدا التمفصل المزدوج للغة هو ما يظهر لنا ما للغة الإنسانية من قيمة اقتصادية (الاقتصاد اللغوي) والمقصود بها أننا من نفس الفونيمات و بتغيير مواقعها يمكن ان نركب كلمات جديدة كقولنا كلا في كلمة اكل وهكذا فمن عدد محدود من الفونيمات يمكن ان نركب ما لا حصر له من الكلمات ,ولولا هدا التمفصل لكان لزاما علينا ان نضع في مقابل كل واقعة علامة لسانية او صوتا لغويا متميزا مما يفترض ما لا حصر له من العلامات او الأصوات اللغوية التي تعجز الذاكرة عن استيعابها.
-3-نقد خصوم الاطروحة:
ادا كان بعض الفلاسفة من امثال " مونتاني" يذهبون الي القول بان الحيوانات تمتلك لغة ولها نظام تواصلي شانها في دلك شان الانسان بناءا علي مسلمة مفادها أن اللغة معطى طبيعي. يترتب عن دلك القول بانها موجودة لدى جميع الكائنات الحية، ومن ثمة استبعاد القول انها خاصية إنسانية.
.يمكن ان نعترض علية بجملة من الملاحظات الأساسية التي تكشف لنا مدي الفارق بينهما: ان التواصل الحيواني يستخدم الاشارة الطبيعية المرتبطة بالغريزة ما يجعلها نمطية ومحدودة تعبر عن وضعيات محددة فالنحلة مثلا لا يمكنها ان تبدع حركة جديدة للدلالة علي موضع الغداء ادا كان هدا الموضع قد تم تغييره قصدا من قبل الانسان بحيث يكون غير مألوفا لدي النحل .لكن بالمقابل نجد الانسان يستخدم فوق دلك الرمز,من حيث هو وسيلة للتفكير تتجاوز وظيفتها إحداث رد الفعل المباشر اي الغريزي و انه يرتبط بالأفكار المجردة التي لم تتحقق بعد في الواقع. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الانتقال من استخدام الإشارات إلى الرموز هو في دلالته انتقال من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة، اي من الوضعية التي تكون فيها الغرائز هي العامل المحدد للسلوك إلى الوضعية التي يكون فيها العقل هو الفيصل في دلك. ولذلك يمكن اعتبار اللغة الرمزية هي معيار التمييز الأنطلوجي بين الإنسان والحيوان.
أن الإشارة في اللغة الحيوانية عقيمة جامدة تظل ملتصقة بالموضوع الذي وضعت منذ بداية تشكلها للإشارة إليه. وأما اللغة الإنسانية فهي خصيبة وغنية، علاماتها متحركة، تنتقل باستمرار من موضوع إلى آخر. فكلما حصل تغير وتطور في المجتمع يجد الإنسان نفسه مضطرا لابتكار علامات جديدة. وأما المجتمع الحيواني فهو ثابت وبسيط من حيث أن عدد الأنشطة فيه محدود جدا، وليس فيه ما يدعو إلى ابتكار إشارات جديدة. ولهذا السبب أيضا ظلت الإشارات مرتبطة بموضوعاتها، عاجزة عن اكتساب معاني جديدة.
ان اللغة الحيوانية اضافة الي كل هدا هي لغة يغيب فيها كل معطي حواري القائم علي تبادل الرسائل, علي عكس اللغة الإنسانية
حل المشكلة :
ما يمكن ان ننتهي اليه مما سبق هو أن الأطروحة القائلة بان اللغة خاصية إنسانية هي أطروحة صادقة و مؤسسة على منطق معقول ما يضفى ععليها المشروعةة و القابلية للتبنى و الاخذ بها.
التعليقات على الموضوع