محطات مضيئة في تأسيس جمعية العلماء
جريدة - الوسيط المغاربي - ليوم الخميس 06 ماي 2021 تنشر حول المحطات التاريخية البارزة التي عرفتها فكرة تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ سنة 1913 الى غاية تأسيسها يوم 05 ماي 1931 بنادي الترقي
في الذكرى 90 لتأسيس جمعية العلماء:
محطات مضيئة في تأسيس جمعية العلماء
بقلم : أ/ الأخضر رحموني
بزغ نجم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حاملة لواء الحركة الإصلاحية يوم الثلاثاء 17 ذي الحجة 1349 ه الموافق ل 05 ماي 1931 م بنادي الترقي بالجزائر العاصمة ،ردا على الاحتفال العظيم الذي أقامته الإدارة الفرنسية يوم 05 جويلية 1930 بمناسبة ذكرى مرور قرن على احتلالها للجزائر، و الذي دام أسبوعا كاملا، كاستفزاز للأمة ،مما أدى الى غضب كل فئات الشعب الجزائر،ي خاصة بعد التصريحات النارية التي أطلقها القادة العسكريون في محاولة لطمس هوية المجتمع الجزائري و تشجيع عملية التنصير ، منها قول أحدهم ( لن يوجد بعد عشرين سنة في الجزائر إلا المسيح للعبادة) ،وتصريح آخر يقول ( إننا لا نحتفل اليوم بالذكرى المئوية لاحتلالنا الجزائر، و إنما نحتفل بوأد الإسلام في أرض الجزائر )، لهذا كان ميلاد جمعية العلماء في الوقت المناسب من أجل المحافظة على المقومات الأساسية للشخصية الوطنية التي عبر عنها بوضوح شعارها الخالد في المبادئ الثلاثة ( الإسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا ) .
و حيث أن نهضة الأمة لا تكون إلا بنشر العلم و بناء المدارس الحرة بمساهمة أبناء الجزائر من المحسنين للقضاء على الأمية و الجهل ،و تصحيح مفاهيم العقيدة السليمة ،و تنوير العقول لمحاربة الخرافات و البدع التي حاول الاستعمار و أذنابه من الجهلة إلصاقها بالدين الإسلامي الحنيف، و قد عبر عنها الشيخ الإبراهيمي في قوله ( إن جمعية العلماء حررت العقول و صقلت الأفكار و أيقظت المشاعر و النتيجة الطبيعية لذلك هي تحرير الأبدان، لأن الأول مدرجة الى الثاني ) . و إن كانت فكرة تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد ولدت سنة 1913 عندما أدى الشيخ عبد الحميد بن باديس فريضة الحج ،و التقى بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي في المدينة المنورة التي كان مقيما بها لمدة ثلاثة أشهر متتالية ، تدارسا فيها الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الثقافية الصعبة بالقطر الجزائري جراء الاحتلال الفرنسي، و خططا بروية سبل الخروج من هذه الأزمة المتعددة الجوانب المفروضة على الشعب ،و طرق النهوض بالمجتمع ،مع إعداد البرنامج الأولي للدعوة .يقول الشيخ الإبراهيمي (و كانت الطريقة التي اتفقنا عليها أنا و عبد الحميد بن باديس في اجتماعنا في تربية النشء هي:
- (ألا نتوسع في العلم و إنما نربيه على فكرة صحيحة ،و لو مع علم قليل ،فتمت لنا هذه التجربة في الجيش الذي أعددناه من تلامذتنا .
- ارتباط المسجد بالتعليم كارتباطه بالصلاة ،فكما لا مسجد بدون صلاة فهكذا لا مسجد بدون تعليم ،و حاجة الإسلام إليه كحاجته الى الصلاة ،فلا إسلام بدون تعليم ).
و بعد رجوع الشيخ ابن باديس الى الجزائر سنة 1914 بدأت أولى الخطوات في التبلور بعد اتخاذه مساجد قسنطينة مثل الجامع الكبير و مسجد الأربعين شريفا ومسجد سيدي قموش و مسجد سيدي بومعزة و الجامع الأخضر منبرا لنشر أفكاره الإصلاحية ،و الشروع في تفسير القرآن الكريم و الذي ختمه يوم 12 جويلية 1938 .
كما شرع الشيخ الإبراهيمي بعد عودته الى الوطن في عقد الندوات العلمية و إلقاء الدروس بمدينة سطيف مع انتقاد الأوضاع الاجتماعية السائدة ، و هي الخطوات نفسها التي اتبعها علماء آخرون رجعوا من المشرق و إنهاء دراستهم في جامع الأزهر الشريف بمصر و جامع الزيتونة المعمور بتو نس من أمثال: الطيب العقبي و العربي التبسي و إبراهيم بيوض و مبارك الميلي و محمد خير الدين و غيرهم...
في سنة 1924 زار الشيخ ابن باديس الشيخ الإبراهيمي بمدينة سطيف زيارة مستعجلة ،و كشف له عن رغبته في تأسيس جمعية ( الإخاء العلمي ) يكون مقرها مدينة قسنطينة ،و طلب منه كتابة قانونها الأساسي لما يملكه من خبرة و تجربة لاحتكاكه بالجمعيات، و هو ما فعله خلال ليلة واحدة .و بعد عودته الى قسنطينة عرض الفكرة و القانون على مجموعة من علمائها فوافقوا عليها .لكن المشروع تعطل لظروف و أسباب متعددة .
و بدأت جريدة الشهاب التي أنشاها الشيخ ابن باديسفي 12 فيفري 1925 بعد تعطيل جريدته – المنتقد – من طرف السلطات الفرنسية التبشير بالفكرة ،و تدعو إليها ، فقد نشرت في عددها الصادر في ربيع الثاني 1344ه الموافق ل نوفمبر 1925م دعوة للشيخ ابن باديس من أجل تأسيس حزب ديني محض ،جاء فيها (إننا نرغب من كل من يستحسن هذا الاقتراح ويلبي الدعوة من أهل العلم أو محبي الإصلاح أن يكاتبنا ،مبينا رأيه به إلينا على عنوان الجريدة ،حتى إذا ما رأينا استحسانا وقبولا كافيا شرعنا في التأسيس والله ولي التوفيق )
كما كتب الشيخ المولود الحافظي مقالا تحت عنوان (اقتراح تأسيس حزب ديني إصلاحي) نشر في جريدة الشهاب كذلك ،ومن أجل نجاح هذا المشروع دعا الى (تأسيس مكتب إداري مركزي له ،مع فتح فروع عبر القطر الجزائري و إنشاء المدارس و نشر الجرائد و المجلات، و إلقاء المحاضرات و الابتعاد عن السياسة ) .
في سنة 1928 دعا الشيخ ابن باديس مجموعة من خريجي الزيتونة و الأزهر و العلماء العاملين للاجتماع بمدينة قسنطينة لطرح فكرة تأسيس هيأة تجمعهم ،مما ساعد على عقد لقاء الرواد الذي ضم الشيوخ: الطيب العقبي و العربي التبسي و محمد خير الدين ومحمد السعيد الزاهري و محمد البشير الإبراهيمي و مبارك بن محمد الميلي ...،و الذين حددوا الخطة الأساسية لتحقيق مشروعهم الطموح و استمراريته ،و اتفقوا على التكفل بنشر هذه الخطوات و تجسيدها ميدانيا عند رجوعهم الى مناطقهم . و تعتبر هذه الجماعة من الرواد هي النواة الأولى لجمعية العلماء .
و نظرا للنشاط المكثف الذي كان يعيشه نادي الترقي بالعاصمة من إلقاء المحاضرات و الاجتماعات العلمية منذ تأسيسه سنة 1927،تأسست لجنة مؤقتة بنادي الترقي تضم شخصيات حيادية لا يثير ذكرهم شكوكا لدى السلطات الفرنسية، و أعلنوا أن الجمعية دينية تسعى الى خدمة الدين و المجتمع، و لا تتدخل في الشؤون السياسية . وكانت اللجنة تتكون من السيد عمر إسماعيل رئيسا و الأستاذ أحمد توفيق المدني كاتبا بالإضافة الى الشيخ محمد العاصمي و شاعر الأعراش محمد عبابسة .
و قد وجهت الدعوة الى حوالي 120 شخصية علمية ،استجاب منهم حوالي 100 عالما، و حضر في اليوم المحدد للاجتماع التأسيسي 72 عالما و طالب علم من مختلف نواحي الوطن و من المذاهب المختلفة ،كما قدم 50 عالما بالقبول و الاعتذار عن الحضور كتابيا.
افتتحت الجلسة الأولى بنادي الترقي على الساعة الثامنة صباحا بصفة جمعية عمومية ، و تم تعيين الشيخ أبا يعلى الزواوي للرئاسة المؤقتة ،والشيخ محمد الأمين العمودي للكتابة ، و وضع القانون الأساسي للجمعية الذي وافق عليه المجتمعون بالإجماع .كما تم انتخاب مجلس إداري يتكون من 13 عضوا، مع اختيار الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيسا لها رغم غيابه .و قد حضر الاجتماع إلا في يومه الأخير،و ألقى فيه خطابا مرتجلا ذكر فيه أن (من مقاصد الجمعية جمع شمل هذه الطائفة المتفرقة، لتتعاون على ما هي مهيأة له من نصح الأمة وإرشادها لما ينفعها في دينها ودنياها، وأن من الثمرات الباكرة لهذا الاجتماع تعارف أبناء هذه الأسرة النبيلة ،ولقد كان أمنية في النفوس وهوى في الضمائر ،فأصبح حقيقة واقعة وأمرًا ملموسًا، ولقد كان همًا معتلجًا في القلوب وخواطر مختلجة في الصدور، فأصبح اليوم صوتًا جهيرًا وأذانًا بالحق عاليًا، ولقد كان موكولًا إلى الصدف والحظوظ والاتفاقات ،فأصبح اليوم ملكاً في أيدينا - وإن من مقاصد الجمعية توكيد عرى الإخاء بين أبناء هذه الطائفة، وحملهم على نبذ أسباب الشقاق وطرح دواعي التفرّق بينهم ،ونسيان كل ما هفت به الأفكار مما يدعو إلى فرقة أو عصبية) .
و الأعضاء المنتخبون هم الشيوخ : محمد البشير الإبراهيمي - الطيب العقبي - محمد الأمين العمودي - المبارك الميلي - إبراهيم بيوض - المولود الحافظي - مولاي بن الشريف - الطيب المهاجي - السعيد اليجري - حسن الطرابلسي - عبد القادر القاسمي - محمد الفضيل اليراتني - رحمة الله عليهم جميعا
و عن السر من غياب الشيخ ابن باديس عن حضور الجلسات ، يكشف الشيخ محمد خير الدين في مذكراته ما يلي :
(كنت أنا والشيخ مبارك الميلي في مكتب ابن باديس بقسنطينة يوم دعا الشيخ أحد المصلحين محمد عبابسة الأخضري- صاحب جريدة الثبات و جريدة المرصاد - ،وطلب إليه أن يقوم بالدعوة إلى تأسيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في العاصمة، وكلفه أن يختار ثلة من جماعة نادي الترقي الذين لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة، أو مخاوف أصحاب الزوايا، وتتولى هذه الجماعة توجيه الدعوة إلى العلماء لتأسيس الجمعية ، حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام, وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس). ويضيف الشيخ محمد خير الدين : ( وأسر إلينا ابن باديس أنه سوف لا يلبي دعوة الاجتماع، ولا يحضر يومه الأول حتى يقرر المجتمعون استدعاءه ثانية بصفة رسمية، لحضور الاجتماع العام، فيكون بذلك مدعوا لا داعيا، وبذلك يتجنب من ردود فعل السلطة الفرنسية و أصحاب الزوايا ،و من يتحرجون من كل عمل يقوم به ابن باديس ).
و لأن رئيس الجمعية ومعظم أعضاء مجلسها الإداري لم يكونوا يقطنون بالجزائر العاصمة،فقد تم تعيين - لجنة للعمل الدائم- مشكلة من خمسة أعضاء برئاسة عمر إسماعيل ممن سكان العاصمة، لتتولى مهمة التنسيق بين الأعضاء، وحفظ الوثائق وضبط الميزانية، و العمل على تحضير الاجتماعات الدورية للمجلس الإداري،و الأعضاء الآخرون هم : محمد المهدي و آيت سي أحمد عبد العزيز و محمد الزميلي و الحاج عمر العنق .
و بهدف تسهيل مهمة الإشراف على متابعة برنامج النشاط الإصلاحي، و العمل التربوي الذي يقدم في المدارس الحرة التي شرع في بنائها في أرجاء الوطن، كلف الشيخ ابن باديس- و باقتراح من أعضاء الجمعية- الشيخ الطيب العقبي بتولي الإشراف على العمل بالعاصمة وما جاورها،و هو سبب انتقاله من مدينة بسكرة الى العاصمة ، و كلف الشيخ الإبراهيمي بتولي الإشراف على العمل بالمنطقة الغربية انطلاقا من مدينة تلمسان ،وأبقى مدينة قسنطينة و ما جاورها تحت إشرافه شخصيا، وهكذا تقاسم الثلاثة العمل في القطر كله.
و في يوم 13 محرم 1350 ه الموافق ل 31 ماي 1931 صدر الترخيص للجمعية في الجريدة الرسمية الفرنسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للموضوع مراجع و هوامش ..
رابط جريدة التي نشرت فيها مقال
التعليقات على الموضوع