محاضرة تاريخ و حضارة المغرب الإسلامي

السنة الثانية ليسانس.

مقياس تاريخ و حضارة المغرب الإسلامي.   الاستاد سي عبد القادر

جامعة أبي بكر بلقابد تلمسان

 المحاضرة الاول.

دولة الادارسة في المغرب الأقصى.

ينتسب الادارسة الى ادريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب، الذي فر بعد هزيمة العلويين في موقعة فخ سنة 169ه نحو بلاد المغرب صحبة مولاه راشد متخفين من مكة الى مصر حيث اكرمهما احد المتشيعين لآل البيت، و يسر لهما طريق الخروج نحو طنجة سنة 172ه، استقر إدريس بمدينة وليلي التي وصلها سنة 172ه و نزل على إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوربي زعيم قبيلة أوربة البربرية/ حيث استطاع بفضل فصاخته و تأثيره في نفوس البربر، وقرابته من بيت الرسول صلى الله عليه و سلم أن يجمع الأنصار حوله وببراعته السياسية حرص على إرضاء كافة المذاهب على اختلافها، كما كان لمولاه راشد دورا رئيسي في التحضير للدعوة و المبايعة ولابتعاد عن طنجة و اختيار وليلي عاصمة أوربة .

تمكن ادريس بن عبد الله في أقل من سنة واحدة وبالاعتماد على قوة قبائل أوربة والقبائل الأخرى التي بايعته كهوارة وصنهاجة وزناتة من فتح أهم أقاليم المغرب الأقصى وحتى الأوسط، فتمكن من تأسيس دولته التي امتدت من تلمسان الى تامسناومن طنجة الى واد أم الربيع.

كان أكثر ما أرعب الخليفة هارون الرشيد من قيام دولة الادارسة هو قيامها على يد علوي من أهل البيت، خاصة أن هذه الفئة تتمتع بمكانة في قلوب الناس وتعاطف معهم وخاصة  بعد ما جرى لهم من قمع على يد الامويين و العباسيين، و نظرا لبعد المنطقة و صعوبة ارسال جيوش عباسية اليها، تدارس الرشيد الامر مع اهل بيته و وزيره جعفر البرمكي قرر استخدام الحيلة و التخلص من زعيمها قبلا ان يستفحل امره.

ارسل الرشيد رجلا للقيام بمهمة اغتيال ادريس بن عبد الله وهو سليمان بن جرير الملقب بالشماخ الذي سار حاملا معه السم الى بلاد المغرب ، وهناك تقرب من ادريس و دخل في خدمته و شتم الرشيد فقربه ادريس و رفع من مكانته و لما سنحت له الفرصة دس السم و هرب فمات ادريس بعد 7 سنوات من قيام دولته

تطور الاحداث بعد اغتيال مؤسس الدولة ادريس الأول

اعتقد العباسيون ان هذه الدولة قد انتهت خاصة ان ادريس لم يطن قد ترك عقبا، وكان من حسن حظ القائم بأعمال ادريس {راشد}ان ادريس وخلف وراءه جارية اسمها كنزة وكانت حاملا .

اتفق راشد مع زعماء اوربة على الانتظار لحين ولادة الجارية فان كان غلاما كان اميرهم. فولدت غلاما وسموه ادريس على اسم ابيه. وبايعوه وهو في المهد ثم جددوا له البيعة بعد ان بلغ العاشرة، و تعهد راشد بتربيته و اعداده للمرحلة القادمة.

بعد مقتل راشد بتدبير من زعيم الاغالبة، خلفه في رعاية ادريس 2 أبو خالد يزيد بن الياس العبدي الى ان اشتد ساعده فبدأ ادريس يحكم وحيدا منذ سنة 192 ه بعد عدة بيعات متتالية .

عهد ادريس الثاني {ادريس بن ادريس بن عبد الله}

لما استقام الامر له وفدت على ادريس القبائل البربرية من مختلف المناطق، كم وفد عليه من العرب من اهل القيروان و الاندلس من القيسية و الازد خاصة منهم الفرسان فقربهم و جعل منهم وزيره {عمير بن مصعب الازدي الملقب المجلوم}، ومن جانب اخر ساعده كف إبراهيم بن الاغلب عن ادايته في اصلاح امر دولته.

بدا ادريس الثاني يفكر بالخروج من وليلى خاصة بعد ان وفدت عليه وفود من قبائل العرب، فأسس مدينة فاس و التي تكونت من عدوتين {قسمين} عدوة القرويين {اهل القيروان } و عدوة الاندلسيين. و صارت فاس عاصمة الادارسة بعد ان قام ادريس في عدوة القرويين.

يعتبر عصر ادريس الثاني عصر العظمة للدولة الادريسية حيث بنيت في عهده فاس والتي كان لهل الدور الأبرز في السياسة والثقافة المغربية فيما بعد، كما تمكن من تثبيت نفوذه على بلاد السوس الأقصى ووادي الشلف.

توفي ادريس 2 سنة 213 ه بعد ان ثبت دعائم دولته وخلفه محمد بن ادريس الثاني {213-221ه} الذي قسم بلاده الى مقاطعات بين اخوته الكثيرين بناء على نصيحة جدته كنزه، حيث منحهم نواحي الدولة اقطاعات انفرد كل منهم بناحية منها، ثم تمرد بعصهم عليه، ولما مات 221ه ترك دولة مقسمة وضعيفة.

وخلفه في الحكم ابنه علي الأول بن ادريس الذي سماه ابن خلدون (حيدرة) حكم صغيرا تحت وصاية أقاربه وتوفي سنة 274ه بعد أن عهد بالأمر الى أخيه يحيى الأول بن محمد.

في عهد يحيى بن محمد بن ادريس الثاني بلغت دولة الادارسة اوج عظمتها في الحضارة والثقافة {هام}، وضاقت فاس بساكنيها وازداد عمرانهافشيد أرباضا، ولعل أشهر ما شيد جامع القرويين على يد السيدة فاطمة بنت محمد الفهري وقد أصبح مركزا للعلم والدراسة منذ نشأته وتحول بعد ذلك الى الجامعة والتي تعتبر عميدة الجامعات الإسلامية، وبعده حكم جملة من الامراء الضعاف باستثناء يحيى الرابع الذي كان أوسع أمراء الادارسة سلطانا أثبتهم ملكا، وفي عهده ظهر الفاطميون وارسلوا قائدهم مصالة بن حبوس الذي تمكن من تحقيق الانتصار على الادارسة سنة 300ه وولي على المغرب أحد شيوخ البربر وهو موسى بن أبي العافية شيخ مكناسة، وهرب الباقين الى قلعة جبال الريف وهي (حجر النسر)).

-انتهى الدور الأول من حياة دورة الأدارسة على يد موسى بن أبي العافية والي الفاطميين. وما تبقى من الأدارسة وبعد هربهم إلى جبال الريف تجمعوا في قلعة حجر النسر وقامت لهم دولة ونهضة جديدة وهو الدور الثاني من الدولة الإدريسية على يد الحسن بن قنون. حيث أصبحت دولة الأدارسة بين قوتين هما الدولة الفاطمية والدولة الأموية في الأندلس وارتبطت أحداثها في الصراع بين هاتين القوتين.

المحاضرة الثانية 

دولة الأغالبة: (184ه/296ه)

كان قيام دولة الأغالبة في إفريقية تجربة جديدة في نظم الحكم الإسلامية، ولأول مرة تتعهد الخلافة إلى رجل من أهل المغرب (من عرب مصر الداخلين) في الانفراد بحكم ولاية من ولاياتها ولو كان شبه مستقلا بحكمه.

تنسب هذه الدولة إلى مؤسسها إبراهيم بن الأغلب بن سالم التميمي، حيث كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قد ولى أباه على إفريقية سنة 148ه بغرض القضاء على المنازعات بين العرب والخوارج والبربر من ناحية، وبين المضرية واليمنية من ناحية أخرى

بعد مقتل إبراهيم بن الأغلب في الصراع الدائر بين رجال الدولة العباسية والخوارج، كان ابنه ابراهيم مقيما في إقليم الزاب مع قومه من تميم فتولى هو امر الولاية بعد مقتل أبيه، تميز بالفطنة والذكاء وحسن التدبير، واتفق طموحه مع أهداف وطموحات الدولة العباسية التي كانت تسعى إلى وضع هذا الإقليم في أيد آمنة، وبذلك تنقص من نفقات الجيش، وبالتالي توج ذلك بالاتفاق بين الخليفة هارون الرشيد وإبراهيم بن الأغلب(جاء تعيينه واليا على افريقية بعد أن قرر هرثمة بن أعين العودة إلى بغداد فاقترح على الخليفة أن يقيم إبراهيم بن الأغلب على افريقية-

مع حكم الاغالبة بدأت تجربة سياسية جديدة في تاريخ افريقية وهي حكم افريقية بواسطة أسرة عربية محلية تابعة للدولة العباسية.

أقام إبراهيم بن الأغلب جيشا قويا ورأى ضرورة الاعتماد على جند خاص حيث يمكن الاعتماد عليها ولا يتمرد عليه، ولتعويض العدد القليل من التميميين، كما أنه لم يكن يحب الخراسانيين أو يعتمد عليهم، وكذلك فإن خصومه كانوا يعتمدون على قوى قبلية كبيرة وأراد ان يوازن بين القوى. كما كان لديه خصوم عديدون من العرب البلديين أبرزهم الذين لم يوافقوا على الإقرار برئاسته، وأعلنوا عليه الحرب، ومن أبرزهم حمديس الكندي.

وبالتالي كانت العناصر التي تكونت منها القوة العسكرية التي شكلها إبراهيم:

-البربر المستعرية: كانوا جندا مرتزقة عند الأغالبة.

-الصقالبة: كانوا يشترون من اروبا صغارا ويربون تربية عربية إسلامية.

-السود: قوة من السود أضيفت إلى هذه القوة وشكلت حرصا خاصا لدى إبراهيم.

اتخذ إبراهيم بن الأغلب قاعدة حصينة لتكون عاصمة دولته بمثابة حاضرة سياسية وعسكرية، حيث راعى في اختيارها الاستراتيجية والحصانة الطبيعية ووقع اختياره على موقع جنوب القيروان وأسس بذلك العباسية سنة 184ه (عرفت باسم القصر القديم) وقد أصبحت قاعدة للحكم في البلاد، ثم نقل إليها أهله وأمواله وحرسه.

العوامل التي دفعت الخلافة على قبول هذه الاتفاقات الرضى فقط بقسم من بلاد المغرب مع استقلال المغربين الأوسط والأقصى(مناقشة)

في عهد قامت ثورة أهل طرابلس سنة189ه حيث كانت تابعة لافريقية لكن في حدها الشرقي، وقد تبرم أهلها (قبيلة هراوة-خوارج اباضية) من واليهم، ولم تستقر الأوضاع وكثر تعيين ولاتها، وانتهت بعد عديد الثورات بالتقسيم (انضمام إلى الرستميين، وإبقاء الساحل تابعا للأغالبة).

-دام حكم الاغالبة ما يزيد على المائة سنة وتعاقب على إمارتهم أحد عشر أميرا، بعضهم كانت مدة حكمه لا تتجاوز السنة الواحدة. لم تنته هذه الدولة بوفاة إبراهيم سنة196ه بل تعدى إلى أبرز الأمراء الثلاثة وأكثرهم إنجازا وحكما والذين صادفوا الكثير من العراقيل.

بعد أن حكم أولا أبو العباس عبد الله بن إبراهيم لخمس سنوات كان فيها منبوذا حتى من أقاربه واستحقر أخاه الصغير زيادة الله تولى هذا الأخير الحكم سنة201ه والذي استمر حكمه مدة 22 سنة.

واجه فيها عددا من المشاكل أبرزها مشكلة الجند (النفقات، البربر، الخمول...) إلا أنه استطاع أن يولي شطره نحو الفتح وكان نفسه تواقا للجهاد.

فتح صقيلية:

كانت صقلية قبل فتحها رسميا تابعة للدولة البيزنطية ويحكمها بطريق يسميه العرب(بلاطه)وكان قاسيا على أهل الجزيرة مرهقا لهم بالمطالبات المالية وكانوا يتذمرون منه ومن حكمه باستمرار.

ولعل السبب الذي جعل زيادة الله يرسل حملة إلى صقلية هو (استنجاد القائد الرومي يوفيميوس الذي ثار على حكم البزنطيين واستقل بشرق الجزيرة) وتحصن في سرقوسة ثم أرسل إلى زيادة الله مستنجدا فأجابه، ومما شجع زيادة الله على إرسال الحملة وفتح صقلية (كثرة عدد جيشه).

كان من أشهر القادة الذين أرسلهم زيادة الله على رأس الحملة المتوجهة إلى صقلية الفقيه والقاضي أسد بن الفرات، حيث كانت نهايته بها خلال الوباء الذي اجتاح الجزيرة، والذي قضى على اعداد كبيرة من حملة المسلمين وهو ما أدى إلى تفكك واضطراب أمر القوات الفاتحة.

ساءت أحوال المسلمين في صقلية بسبب تناقص أعدادهم ومحاصرة البزنطيين لهم فطلبوا المساعدة من زيادة الله، لكنه تأخر، فتدخل قائد أندلسي وهو فرغوش(أصبغ بن وكيل) الذي تمكن من فك الحصار عن المسلمين. ثم كان الوباء الثاني ففتك بعدد كبير من المسلمين ومنهم فرغوش مما جعل مركز المسلمين حرجا مرة أخرى إلى أن وصل القائد أبو فهر الاغلبي إلى الجزيرة ودخل العاصمة باليرمو وطرد القوة البيزنطية من الجزيرة.

استمرت صقلية تابعة لدولة المسلمين، ثم تكونت فيها إمارة إسلامية كانت تابعة للفاطميين، حتى سقطت بيد النورمان سنة485ه بقيادة روجر الثالث.

كما تطورت في عهد الأغالبة مدينة بلرم وحملت لواء الثقافة واستقطبت العلماء وحملة العلم، وظهرت فيها نهضة علمية.

تولى إمارة افريقية عددا من أمراء الأغالبة الذين تباينت فترة حكمهم من حيث المدة ما بين بضع سنوات أو أكثر، إضافة إلى الإسهامات والحوادث التي جرت في عهدهم إلا أننا يمكن الحكم أولا على أهم إنجازاتهم والاقتصار على أهم أمرائهم المتأخرين وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب الذي تولى الحكم سنة261ه وهي من أطول فترات الحكم الأغلبي وقد اغتصب الحكم من ابن أخيه وشرع في بناء مدينة رقادة سنة 263ه جنوبي القيروان، وسير جيوشه لإكمال فتح صقلية و توفي سنة 290ه وخلفه اخر الامراء زيادة الثالث الذي وصل في عهده الشيعة الفاطميين الى بلاد المغرب.

دام حكم الاغالبة ما يقرب من 144 سنة وازدهرت المدن في عهدهم مثل القيروان وتونس وسوسة وصفاقس وغيرها، وتمكنوا من توحيد افريقية تحت لواء السنة، ويرجع لهم الفضل في تمدين افريقية والمغرب الأوسط وتحويلها من قرى متناثرة ومحطات قوافل الى مدن مزدهرة.

جدد الاغالبة مسجدي القيروان وتونس وهما مسجد عقبة ومسجد الزيتونة الذي كان قد بدا في تشييده عبيد الله بن الحبحاب 114ه، الا أنه لم يكتمل الا على يد إبراهيم بن أحمد سادس أمراء الاغالبة.

أنشا زيادة الله قصر الرباط رباط سوسة، وأنشأ العباس محمد بن الأغلب خامس الاغالبة جامع سوسة، كما أقام الاغالبة العديد من الاسوار والأبراج للمدن، وازدهر العديد من الرباطات.

كما اهتموا بالري حيث بنى الأغالبة الكثير من صهاريج المياه والجباب، وأكثروا من بناء المواجل (احواض مياه واسعة وعميقة يتجمع فيها ماء المطر).

تشبه أمراء الاغالبة في شعاراتهم وعماراتهم ببني العباس ــــــــ حتى أنهم سموها بنفس الأسماء: العباسية وابرز هذه القصور ، قصر بغداد وقصر المختار و قصر العروس من الناحية العلمية فقد ظهر في عهد الاغالبة عدد من العلماء و الفقهاء أبرزهم أسد بن الفرات وعيسى بن مسكين وسحنون.

المحاضرة الثالثة: الدولة الفاطمية في المغرب 297ه 396ه

مقدمة: كان قيام الدولة الفاطمية في المغرب التحدي الشيعي الوحيد الذي تمكن من تأسيس دولة قوية تنافس بل تهدد الدولة العباسية في قيادتها السياسية والدينية للعالم الإسلامي، واتخذ التشيع منذ نشأته الأولى اتجاها مضادا للعصبية العربية، وكما أن التشيع في المشرق اعتمد على الموالي من الفرس، فأنه كذلك في المغرب اعتمد على الموالي من البربر، ولهذا كانت بلاد تربة خصبة لإنبات بذور التشيع، هذا فضلا على أن بلاد المغرب كانت بعيدة عن السلطة المركزية في بغداد الامر الذي كفل للدعوة الشيعية الحماية وجعل من الصعب على العباسيين فرض رقباتهم التامة على تلك البلاد وتعقب العلويين فيها.

يمكن تقسيم قيام الدولة الفاطمية الى مرحلتين مرحلة الدعوة السرية ومرحلة الدولة.

مرحلة الدعوة :كان القائم بالدعوة الاسماعلية رجلا من الكوفة وهو رستم بن الحسين بن فرج بن حوشب الذي عرف بمنصور اليمن لتغلبه على الوالي العباسي وعلى أمراء اليمن، وقد دأب على ارسال الدعاة الى اليمامة وعمان والبحري ومصر والمغرب، والجدر بالذكر أن التشيع عرف طريقه الى بلاد المغرب منذ وقت أسبق حيث حل به الحلواني وأبو سفيان وعملا على نشر الدعوة بين الناس لطاعة آل البيت الا أنهما قتل في ظروف غامضة، ولما بلغ ابن حوشب نبأ موت الداعيتين وقع اختياره على أبي عبد الله الشيعي لاستكمال نشر الدعوة في المغرب، اختلفت المصادر في ذكر أصله (من الكوفة) انتقل الى اليمن وهناك التقى بابن حوشب وعندما وثق به أرسله الى المغرب ليكمل رسالة أبي سفيان و الحلواني.

اتجه أبو عبد الله في موسم الحج الى مكة وهناك التقى بحجاج كتامة (10 حسب ابن عذارى) ولم يفصح عن غرضه في البداية واكتفى بأنه يبحث عن وظيفة لتأديب الصبيان في مصر، فدعوه للقيام بهذه المهمة في كتامة فقبل بذلك ووصل اليها سنة 288ه فستمال اليه البربر، وقد اتخذ من جبل الاخيار بكتامة دار هجرة المؤمنين التابعين لدعوته فاتاه البربر من كل حدب فأخذ يبشرهم بظهور المهدي ويهيئ عقولهم لقبول فكرته واعتناق المذهب الإسماعيلي بعد أن اجتمع اليه الأنصار من عدة قبائل و بعد ان كثر مقاتليه واستولى على مناطق عدة كانت تابعة للأغالبة ارسل الى عبيد الله المهدي ليأتي من السلمية ويتسلم الامر.

دخل عبيد الله رفقة ابنه متخفيا ومتنكرا في زي التجار و اتجه الى أبعد نقطة وهي سجلماسة، الا ان اليسع بن مدرار حبسه، وبعد أن تمكن الشيعة من القضاء على دولة الأغالبة في رقادة و تثبيت الدولة الفاطمية في القيروان توجه الى سجلماسة لفك أسر الامام عبيد الله سنة296ه، سار عبيد الله الى افريقية ودعي له بالخلافة وتلقب بالمهدي وشرع في تنظيم أمور الدولة .

مرحلة الدولة:

بعد أن بويع عبيد الله المهدي بيعة عامة في مقره بالقيروان سنة 293ه انتهت وصاية وولاية أبو عبد الله الشيعي والتي دامت عشر سنوات ثم تحول الى وزير أو خادم لهذا السيد الذي استقدمه من سلمية، وعلى الرغم من الخدمات الكبيرة التي قدما أبو عبد الله الشيعي للدعوة و الدولة الا أن عب الله المهدي غدر به وتخلص منه مع ايه ابي العباس باستخدام احد كبار الكتاميين وهو غزوية بن يوسف، وقد اثار هذا العمل فتنة بين مؤيدي أبو عبد الله الشيعي الا ان أبي عبيد الله تمكن من القضاء عليها.

بناء المهدية. بعد ان تم الإعلان عن قيام الدولة الفاطمية في القيروان احس عبيد الله المهدي ان الناس في افريقية ليس لديهم استعداد لقبول فكرة خلافة تقوم على مبادئ الشيعة الإسماعلية، بل إن اهل افريقية لم يكتفوا بالصمت بل واجهوا عبيد الله المهدي بآرائهم ومواقفهم، فشعر انه ليس بين أهله ورعيته وإنما بين خصومه وخاصة بعد الذي فعله بأبي عبد الله الشيعي واخيه، ثم تدبيره لمؤامرة قتل غزويةبن يوسف، كل هذا جعله يفكر في بناء قلعة يلجا اليها وقت الشدائد والاخطار، فكان بناء المهدية منذ بداية القرن الرابع الهجري. ـــــــ  ( هناك أسباب أخرى امنية واقتصادية واستراتيجية_ بداية الاشغال بها سنة 300 وانتقل اليها سنة 308ه – لم يسمح عبيد الله المهدي للعمال والسوقة بالسكن في المدينة وانما كانت محلاتهم فيها وتجارتهم فيها وبضاعتهم اما أهلهم وسكنهم فخارجها يأتونها نهارا ويعدون في الليل الى أهلهم.) ــــ

ومن جهة أخرى فقد استكثر عبيد الله من الجند المرتزقة وخاصة الصقالبة للعمل في القصور، كما تحول عبيد الله المهدي الى قبائل أخرى منافسة لكتامة وهي صنهاجة المغرب الأوسط بزعامة مصالة بن حبوس فاغراه بالمال والسلطة على المغرب وبعثه في جيش كبير لغزو المغرب الأقصى، وهو ما جعل بعض القبائل والزعماء يثرون على الدولة الفاطمية وأبرزهم علي بن حمدون الزناتي وبنو خزر المغراويينالمستعينين بالأمويين في الاندلس.

وصلت جيوش بن حبوس الى المغرب الأقصى ودخلت فاس أيام يحيى بن يحيى ثم ولى مكانه موسى بن أبي العافية الذي نفى من تبقى من الادارسة الى قلعة حجر النسر.ـــــــ حكم عبيد الله المهدي 25 سنة جمع خلالها مالا وفيرا وثبت قواعد بيته في افريقية والمغرب الأوسط بالقوة العسكرية وتوفي سنة 322هــــــــــــــ.

خلافة القائم بأمر اللهكنيته أبو القاسم ولد بسلمية وهو الذي قدم مع والده جددت له البيعة بعد ان أخفى وفاة والده سنة كاملة، حكم بين 322ه 334هن ركز جهوده على غزو المغربين الأوسط والأقصى حيث تمكن من هزم ابن أبي العافية وفي المقابل تمكن الأمير الأندلسي عبد الرحمن الناصر من غزو سبتة ومليلية لتأمين بلاده من أنصار الفاطميين.

شهد عهده ثورة ابي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي الصفري سنة 332 في افريقية، والذي بدا امره أيام المهدي، غير أن اشتداد شوكته وكثرة اتباعهوالخروج عن السلطان كان أيام القائم حيث حاصر قسطيليةوفتح تبسةكما استولى على الأقاليم البحرية الشمالية كباجة وتونس، وبينما كان ابي زيد محاصرا لسوسة توفي الخليفة الفاطمي القائم بأمر الله تاركا العرش لغبنه إسماعيل الذي وضع حدا لهذه الثورة.

ولاية المنصور بالله 334ه 341ه هو أبو الطاهر إسماعيل بيوع بعد وفاة أبيه غر انه كتم وفاة ابيه خوفا من الاضطرابات، وبعد القضاء على ثورة صاحب الحمار بدا المنصور بإصلاح ما افسدته هذه الثورة بإنشاء اسطول كبير، كما أسس مدينة المنصورة وأسند ولاية صقلية الى بني ابي الحسن الكلبيين، كما شن المنصور حملة على تيهرت تمكن فيها من اخماد الاضطرابات التي قامت بها، وخاض حملة على قسطيلية وجنوب الاوراس اين اشتعلت من جديد الثورة، وقد توفي المنصور سنة 341ه.

المعز لدين الله الفاطمي341ه ،361ه. هو أبو تميم معد بن إسماعيل ولد بالمهدية سنة 319ه و تسلم الحكم في 29 شوال 341هن استطاع الخليفة ان يمد نفوذه على معظم بلاد المغرب الا أنه بدا يدرك ان لا يستطيع الاستمرار في المغرب حيث نفر الناس من بيته كما ان المنافسين لهم و القوى المحلية الطامحة للاستقلال لم تترك لهم مجال لتثبيت نفوذهم أو توسيعه خاصة مع وجود الى جانبه شاب ذكي اسمه جوهر الصقلي، وهو من الصقالبة جعله المعز وزيرا له، هذا الأخير الذي اخبر سيده انه لا امل في افريقية والمغرب والامل الوحيد لبقاء هذه الدولة هو الاستيلاء على مصر.

بدا المعز وقائده جوهر يعدان العدة لغزو مصر معتمدين على الكتاميين بعد ام صالحهم ودخل في خدمهم رجلا من اقدر رجالهم و هو جعفر بن فلاح حيث حفر الىبار في طريق مصر، خرج جوهر من المغرب سنة 358ه وتمكن من السيطرة على مصر بعد أن وضع المعز تحت تصرفه جميع إمكانات الدولة من مال ورجال، وشرع في بناء مدينة القاهرة حتى تكون مدينة ملوكية و حصنا للفاطميين ينتقلوا اليها، رحل المعز الى مصر سنة 361ه استعمل خلفه على المغرب يوسف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي.

 محاضرة تاريخ الجزائر الحديث خلال ق ( 16 – 19 م )