كتاب تجليات قصة يوسف في الشعر الأندلسي بين الثابت القرآني والانزياح الشعري Pdf
الأندلسي لـ د. وسام قباني
بقلم: علي العبد الله
الحجم: 2.7 MB
حيلة امرأة العزيز:
لمّا كان اسمُ امرأة العزيز صاحبة الحيلة والمكيدة في استدراج يوسف الصّديق قد شاع وانتشر عبر العصور والأزمان، حتّى قيل : "يوسف الصّبر و زليخا الهوى" . فإنّ من الشّعراء مَن استثمر هذا الاسم ليخدم غرضه الشّعريّ، فمثلاً منهم من وظّف اسم ( زليخا ) ليضفي ضرباً من الفكاهة في كلامه، من نحو قول ابن الغمّاز البلنسيّ واصفاً فقيهاً حسن الهيئة ارتدى برنساً أبيض، وأخذ يتيهُ على النّاس بحُسنِهِ وظُرفهِ وملاحتِه:
لبسَ البرنسَ الفقيـهُ فباهـى *** ورأى أنّـهُ المليـحُ فَتاهـا
لـو زليخـا رأتـهُ حينَ تبدّى *** لَتمَنتْهُ أن يكـونَ فَتاهـا
الشّاعر هنا يفيد ممّا شاع عن زليخا من غرامها بالحسن وافتتانها بالجمال، من أجل أن يؤكّد بهاء طلعة الفقيه التي فتنت عيون النّاظرين إليه، ويلحظ القارئ أنّ حسّ الظّرف والفكاهة الذي يشيعُ في أرجاء النّصّ، ينبع من الجناس بين قافيتي البيتين فالجناس أضفى إيقاعاً محبّباً، إضافة إلى جمال الانزياح التّركيبيّ في قوله : ( لبسَ البرنسَ الفقيهُ )، فكأنّ السرَّ ( سرَّ الحُسن ) يقع في البرنس الأبيض لذا قدّمَ الشّاعر لفظ البرنس واحتفى به.
وقد وقف الشّعراء عند قضيّة ( الحُسن اليوسفيّ ) الذي دفع نسوة المدينة إلى الافتتان به وتقطيع أيديهنّ، فكان الشّاعر إذا أراد أن يسمَ محبوبه بالحسن والفتنة شبَّهه بيوسف عليه السّلام، ومن الشّعراء من تخطّى أفق المألوف، فرأى جمال محبوبه أعلى رتبة من الجمال اليوسفيّ، بل حُسن المحبوب يُزري بالحسن اليوسفيّ، ولا مجال للمقارنة بينهما، فيوسف الصّدّيق قُطِّعت الأيدي له أمّا محبوب الشّاعر فقد قُطِّعت الأفئدة إكباراً لحُسنه، يقول أبو عليّ النّشّار البلنسيّ :
يا رشـاً خُوِّلَ أُسْـدَ الشَّرى *** هنَّـاكَ ربُّ العرشِ ما خَوَّلكْ
ارفُـقْ بعبدِ الحُـبِّ ما هكذا *** يملِكُ مأسورَ الهـوى مَنْ مَلَكْ
قتلْتَ يا بـدرُ جميعَ الـورى *** فمَن إلى قتلِ الورى أنزلَكْ ؟
لو لم يكُن سِحرُكَ من بابـلٍ *** لقُلْتُ: هـاروتُ بـهِ أرسَلَكْ
ما ملَكُ المـوتِ كما حدَّثوا *** بل لحظُكَ المـوتُ وأنتَ المَلَكْ
يا يوسُـفاً يُزري بحُسنِ الذي *** أُمِّنَ في الجُبّ وقوعَ الهَلَكْ
أقسمْتُ لو أنّكَ في عصـرِهِ *** بآيـة الحُبِّ الذي ذلَّ لكْ
ما خلَتِ الحسناءُ في خِدْرهـا *** بهِ ولا قالتْ لـهُ : هَيـتَ لَكْ
ولمْ تُعَظِّـمْ نِسـوَةٌ حُسنَـهُ *** إذْ قُلْـنَ : ما ذا بشراً بل مَلَكْ
إنْ قُطِّعَـتْ أيـدي نساءٍ لهُ *** فكَمْ فـؤادٍ قطَّعَ النّـاسُ لَكْ
والشّاعر في هذا النّصّ يعدل عن الثّابت القرآنيّ عدولاً جذريّاً، فيعيد تنسيق الصّورة القرآنيّة وفق مشاعره وتجربته الخاصّة، ليبدع نسقاً جديداً يعبّر تعبيراً صادقاً عن شعوره الخاصّ، وهذا النّسق الجديد يبلغ فيه الانزياح الشّعريّ مبلغاً عظيماً، فالشّاعر لا يكتفي بعكس الصّورة، أي المحبوب = الأصل، ويوسف عليه السّلام = الفرع، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، ففي حضور المحبوب سنلمح تغييباً تامّاً ليوسف عليه السّلام.
ومن جميل ما قيل في استيحاء حادثة افتتان النّسوة بالحسن اليوسفيّ قولٌ لأبي بكر بن حبيش يصف سكّيناً ممّا يكتب عليها – من الوافر -:
تأمّل بهجتي والمحْ سناها *** وقلِّبْ شفرتي واحذرْ شباها
ولامـرأة العزيز صُنِعتُ قدماً *** ألستُ الآنَ يحملُنـي فتاهـا ؟
وسَلْ بي أيدياً لنسـاءِ مصرٍ *** دهاها من عياني ما دهاهـا
يبدع الشّاعر عندما يتحدّث على لسان سكينٍ أُتقن صنعها، وكمُل جمال حاملها، فشرعت تتيه بحُسنها ودلالها، مُفاخرةً بأنّ ما يزيدها شرفاً وأصالة أنّ ( السّكّين ) قد صُنِعت منذ القِدم خصيصاً لتُحقّق مآرب امرأة العزيز، ومَن يكُ مُنكراً فضلها فليبحث عن جواب السّؤال : " ما بالُ النّسوة اللاتي قطّعن أيديَهنّ. " يوسف 50
يبدع الشّاعر عندما يتحدّث على لسان سكينٍ أُتقن صنعها، وكمُل جمال حاملها، فشرعت تتيه بحُسنها ودلالها، مُفاخرةً بأنّ ما يزيدها شرفاً وأصالة أنّ ( السّكّين ) قد صُنِعت منذ القِدم خصيصاً لتُحقّق مآرب امرأة العزيز، ومَن يكُ مُنكراً فضلها فليبحث عن جواب السّؤال : " ما بالُ النّسوة اللاتي قطّعن أيديَهنّ. " يوسف 50
كما يبدع الشّاعر في اعتماد الانزياح الأسلوبيّ من خلال اعتماد أسلوب الالتفات ( تنويع الضّمائر )، فجاءت - نتيجة لذلك – الجمل سريعة متساوية توحي بحركة السّكين الرّشيقة، ويتّضح الأمر على النّحو الآتي:
تأمّلْ بهجتي
اِلمحْ سناها
قلِّبْ شفرتي
احذرْ شباها
بقلمي : د. وسام قبّاني
فقرة من كتاب تجلّيات قصّة يوسف في الشّعر الأندلسيّ بين الثابت القرآني والانزياح الشّعريّ.
اقرأ كتاب تجليات قصة يوسف في الشعر الأندلسي بين الثابت القرآني والانزياح الشعري Pdf عبر :
او
تحميل مباشر كتاب تجليات قصة يوسف في الشعر الأندلسي بين الثابت القرآني والانزياح الشعري Pdf :
او
التعليقات على الموضوع