العصبية عند ابن خلدون
ﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻙ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ، ﻭﻫﻲ ﻭﺭﺍﺀ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ ، ﻣﻨﻄﻠﻘﺎ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ﻭﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻣﻔﺴﺮﺍ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻧﺤﻼﻟﻬﺎ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺁﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ ، ﻭﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺍﻟﻪ ، ﻭﻧﻌﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻫﺬﻩ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻓﻲ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ( ﻋﻠﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ) .
ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻠﺘﺤﻤﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ، ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻗﻞ ﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻭﻫﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﻇﻴﻔﻴﺎ ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﻋﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻔﻆ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﺃﺳﺎﺱ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻭﺻﻴﺮﻭﺭﺗﻪ ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺪﻭﻳﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﺣﻀﺮﻳﺎ .
ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ، ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ، ﻭﻫﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺪﻭﻳﺔ ﺑﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﻀﺮﻳﺔ ﺑﻤﺠﺘﻤﻌﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻗﻮﻳﺎ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺍ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮ ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺗﻘﻮﻡ ﻭﺗﻨﻬﺎﺭ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﺂﻟﺐ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺃﻭ ﺗﺸﺘﺘﻬﺎ .
ﻭﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪﻫﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺪﻡ ﺃﻭ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺤﻠﻒ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﻤﻼﺯﻣﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ، ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻭﻣﺘﻔﺮﻋﺔ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﻨﺎﺳﻠﻬﻢ ، ﻓﻴﻨﺸﺄ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻌﺼﺒﻮﻥ ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﺍﻉ ﻟﻠﺘﻌﺼﺐ ، ﻭﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺄﻧﻪ ﺟﺰﺀ ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﻋﺼﺒﺘﻪ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻔﻘﺪ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺬﻭﺏ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ، ﻭﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻟﺪﻯ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻓﻬﻮ ﺫﻭ ﺻﺒﻐﺔ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻘﻂ ، ﻭﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺗﻌﺮﺽ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ " ﺍﻟﻮﻋﻲ " ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻭﻫﺬﺍ " ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ " ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ " ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ " ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﻭﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ، ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﻣﻴﺰﺍﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ " ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ " ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻭﺁﺧﺮ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ، ﻓﺎﻟﻔﺮﺩ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻌﺼﺒﺘﻪ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺎﺻﺮ ﺃﺣﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻨﺎﺻﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻀﺎﻣﻨﺎ ﻣﺘﺒﺎﺩﻻ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻋﺼﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﺤﺪﻭﺩﺍ ﺑﺤﺪﻭﺩ ﻋﺼﺒﺘﻪ . ﻓﻬﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺿﻐﻄﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻬﺎ ، ﻓﻬﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺗﻀﻤﻦ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﺑﻴﻦ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺳﺮ ﻗﻮﺗﻬﺎ ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﻓﻮﺍﺭﻕ ﺃﻭ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻟﻼﺳﺘﻐﻼﻝ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺪﻡ ﺧﺪﻣﺎﺕ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻓﻲ ﺩﺭﺟﺘﻪ ﺑﻘﺪﺭ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺔ ﻷﻫﻞ ﻋﺼﺒﻴﺘﻪ ﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ، ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﻮ ﻣﺪﻯ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻻ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻘﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ .
ﻭﺗﺘﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﻘﺪﺭ ﺗﻀﺎﻣﻨﻪ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻪ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﻟﻬﺎ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﻨﺒﺬﻩ ، ﻓﻴﻔﻘﺪ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﺿﺪ ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻄﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﺼﺒﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﺒﻠﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﺋﺐ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺍ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺍﻟﺘﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ، ﻭﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻭﻣﻨﻌﺘﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ ﺇﻻ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻧﺸﺎﻃﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ .
ﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﺘﻤﻴﺰﺍ ﻓﻘﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻼﺯﻣﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻣﻼﺯﻣﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻓﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻴﻬﺎ " ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ " ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ " ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ " ﺣﻴﻦ ﻭﻗﻮﻉ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻭﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻳﻠﺨﺼﻬﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻗﺎﺋﻼ : " ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﻭﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ " .
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺗﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﻣﺒﺪﺃﻳﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻴﻦ :
ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻷﻭﻝ : ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ، ﺃﻱ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﻮﺭ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﻌﺎﻭﻧﻪ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺟﻨﺴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺒﻘﺎﺋﻪ ، ﻷﻧﻪ ﻋﺎﺟﺰ ﻭﺍﻗﻌﻴﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻘﻀﺎﺀ ﻛﻞ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍ ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣﻔﻜﺮﻭﻥ ﻋﺪﻳﺪﻭﻥ ﻗﺒﻞ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﺍﺑﻲ ، ﻭﺃﺭﺳﻄﻮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ، ﻭﻗﺪ ﺃﻗﺮ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻌﺘﺒﺮﺍ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .
ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺃﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻣﺘﺄﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺠﺒﻮﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻣﻌﺎ ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﻓﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﺍﺯﻉ ، ﻭﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻋﻨﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻭﻫﻮ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺳﻠﻄﺔ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﻤﺎﺳﻜﻪ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ ﻭﻛﺒﺢ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ " ﻭﺍﺣﺘﺎﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ، ﻭﻫﻮ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ".
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻫﻲ :
1- ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ، ﺃﻱ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ، ﻓﺘﺘﺄﻃﺮ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺎﻓﺔ .
2- ﺗﺆﺩﻱ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻪ ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ، ﻟﻌﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﺃﻳﺔ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ .
3- ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ، ﺃﻱ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ، ﻭﺍﻟﺘﻜﺘﻞ ، ﻭﻣﺠﺎﺑﻬﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺻﺮﺍﻉ ﻭﺟﻮﺩ ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻘﺴﺎﻭﺓ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ، ﻭﺿﺂﻟﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ، ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺃﻣﺮﺍ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺬﻭﺑﺎﻥ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﻔﻆ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ .
4- ﺗﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻼﺣﻢ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪ ، ﺭﻏﻢ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺃﻣﺮ " ﻭﻫﻤﻲ " ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ .
5- ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺘﺪﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ، ﻭﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﺎﻡ ، ﻭﺇﻥ ﻭﺟﺪ ﺗﻤﺎﻳﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻧﺤﻮ ﺃﻫﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ، ﻓﻬﻲ ﺗﺪﻋﻢ " ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ " ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ " ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ " ﺃﻱ ﺫﻭﺑﺎﻥ ﺍﻷﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻷﻧﺎﺀ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ . ﻭﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﻳﺘﺄﻃﺮ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ ، ﻭﻛﺮﻡ ، ﻭﺧﻼﻝ ﺣﻤﻴﺪﺓ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﻴﺮ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺇﺫﺍ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﻼﻝ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻨﻴﺔ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .
ـ ﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻅ ﺑﻪ ، ﺃﻱ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ، ﻭﻫﻲ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻊ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻭﻫﺪﻓﻬﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ، ﻭﻳﻘﺮﺭ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ " ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﻱ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻠﻚ " ﻣﺒﻴﻨﺎ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ " ﺃﻥ ﺍﻵﺩﻣﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺯﻉ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ، ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺘﻐﻠﺒﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻓﺎﻟﺘﻐﻠﺐ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .
ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺻﺪ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮﺓ ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺍﺯﻉ ﺃﻱ ﺣﺎﻛﻢ ، ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻗﺪ ﺃﻭﻻﻫﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ ، ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﺇﺫ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻧﻈﺮﺓ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﺗﻘﺴﻴﻤﻪ ﻟﻠﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ : ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ، ﻭﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻭﺍﺯﻉ ﺧﺎﺹ ﻟﺼﺪ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺃﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺒﺪﻭ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ :
1. ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ : ﻭﻣﺼﺪﺭﻩ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ، ﺃﻱ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ، ﻓﺎﻟﻮﺍﺯﻉ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻛﺎﺑﺮﻫﻢ ﻭﻣﺸﺎﻳﺨﻬﻢ ، ﻟﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺎﺭ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻣﻬﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻧﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﻟﺪﻯ ﻗﻮﻣﻬﻢ .
2. ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ : ﻭﻣﺼﺪﺭﻩ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻛﺎﻟﻐﺰﻭ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ، ﻓﺎﻟﻮﺍﺯﻉ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﺠﻌﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ، ﻭﺃﻣﺎ ﺣﻠﻠﻬﻢ ﻓﻴﺬﻭﺩ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﺠﺎﺩﻫﻢ ﻭﻓﺘﻴﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ .
ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ـ ﺍﻟﺤﻜﻢ ـ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻳﻮﺿﺢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﺋﺐ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻟﻜﻲ ﺗﻠﺘﺤﻢ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﺒﺮﻯ ـ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ـ ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﺍﻓﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ " ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﻐﻠﺒﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﺘﺒﻌﻬﺎ ﻭﺗﻠﺘﺤﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻭﺗﺼﻴﺮ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﺒﺮﻯ ، ﻭﺇﻻ ﻭﻗﻊ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﻤﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ .
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻗﻮﻳﺔ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ، ﻭﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻗﻮﻳﺔ ، ﻭﻫﺬﻩ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﻭﺗﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺩﻭﺍﻟﻴﻚ ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﻳﻬﺎ ﺍﻟﻮﻫﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ، ﻭﺑﺰﻭﺍﻟﻬﺎ ﺗﺰﻭﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ .
ﻭﻳﻌﻠﻞ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺛﻢ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﺑﻀﻌﻒ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﺎ ـ ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ـ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﻻﻧﻔﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ ﻭﺍﻻﻧﻐﻤﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻑ ﻭﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺫﻥ ﺑﺰﻭﺍﻟﻬﺎ ، ﻭﻳﻘﺮﺭ ﺫﻟﻚ " ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻝ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻠﺠﺄ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻨﻜﺴﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﻔﻨﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﻋﺸﺎﺋﺮﻫﺎ " .
ﻭﻳﺮﺟﻊ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
1. ﺳﻌﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻟﺘﺴﻴﻴﺮ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﺤﻜﻢ ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻌﻒ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ، ﻓﻴﺴﺘﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﻮﻡ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺃﻫﻞ ﻋﺼﺒﺘﻪ .
2. ﺍﻟﺘﻨﺎﺻﺮ ﻭﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺎﻻﻧﻔﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ ، ﻭﺍﻟﺘﻨﻜﺮ ﻟﻘﻮﻣﻪ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻢ ﺗﺤﻘﻖ ﺷﺮﻁ ﻗﻮﺗﻬﺎ ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ، ﻭﺍﻟﺘﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﻋﺼﺒﺎﺕ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ .
3. ﺍﻧﻐﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺮﻑ ﻭﺍﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ، ﻭﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺫﻥ ﺑﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻭﻳﻘﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻨﺴﻴﻬﻢ ﺣﺎﻟﺔ " ﺍﻟﺘﻮﺣﺶ " ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻧﺒﺜﺎﻕ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ .
4. ﻭﺟﻮﺩ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ، ﻭﺇﻻ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻗﺪ ﻳﻄﻮﻝ ، ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻬﺮﻡ ، ﺗﻌﻤﻞ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻬﺮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﻳﻘﺎﻅ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﺓ ، ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻭﻋﻴﻬﻢ ﻟﻠﻀﻐﻂ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺪﺩ ﻛﻴﺎﻧﻬﻢ ، ﻓﺘﺘﻮﺣﺪ ﻋﺼﺒﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺛﺎﺋﺮﺓ .
ـ ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺑﺪﻭﻧﻬﺎ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﻗﻴﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ـ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ، ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﻋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺒﻴﻨﺎ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﻤﺎﺳﻜﻪ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻭﺗﻮﺣﺪﻫﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﻋﺪﻡ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ .
ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻤﻠﻚ " ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ " ﻭﻗﻮﺗﻪ ، ﻭﻳﻀﻌﻔﻬﺎ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﻳﺰﻭﻝ ، ﻓﻮﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻅ ﺑﻪ ( ﻛﺎﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ) ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ، ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﺇﻻ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺩﻭﻟﺔ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻓﺮﺿﻬﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﻦ ﺗﺤﺼﻞ ﺇﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺃﻱ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻓﻲ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ، ﻭﺗﺄﻛﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺤﺮﻙ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺻﺎﻍ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻔﺴﺮﺓ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺃﻻ ﻭﻫﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ، ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺃﻱ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻻﻧﻔﻜﺎﻙ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ .
ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻠﺘﺤﻤﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ، ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻗﻞ ﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻭﻫﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﻇﻴﻔﻴﺎ ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻭﺗﻨﻈﻴﻢ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﻋﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻔﻆ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﺃﺳﺎﺱ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻭﺻﻴﺮﻭﺭﺗﻪ ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺪﻭﻳﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﺣﻀﺮﻳﺎ .
ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ، ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ، ﻭﻫﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺪﻭﻳﺔ ﺑﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﻀﺮﻳﺔ ﺑﻤﺠﺘﻤﻌﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻗﻮﻳﺎ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺍ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮ ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺗﻘﻮﻡ ﻭﺗﻨﻬﺎﺭ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﺂﻟﺐ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺃﻭ ﺗﺸﺘﺘﻬﺎ .
ﻭﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪﻫﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺪﻡ ﺃﻭ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺤﻠﻒ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﻤﻼﺯﻣﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ، ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻭﻣﺘﻔﺮﻋﺔ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﻨﺎﺳﻠﻬﻢ ، ﻓﻴﻨﺸﺄ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻌﺼﺒﻮﻥ ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﺍﻉ ﻟﻠﺘﻌﺼﺐ ، ﻭﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺄﻧﻪ ﺟﺰﺀ ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﻋﺼﺒﺘﻪ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻔﻘﺪ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺬﻭﺏ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ، ﻭﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻟﺪﻯ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻓﻬﻮ ﺫﻭ ﺻﺒﻐﺔ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻘﻂ ، ﻭﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺗﻌﺮﺽ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ " ﺍﻟﻮﻋﻲ " ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻭﻫﺬﺍ " ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ " ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ " ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ " ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﻭﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ، ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﻣﻴﺰﺍﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ " ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ " ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﻓﺮﺩ ﻭﺁﺧﺮ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ، ﻓﺎﻟﻔﺮﺩ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻌﺼﺒﺘﻪ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺎﺻﺮ ﺃﺣﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻨﺎﺻﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻀﺎﻣﻨﺎ ﻣﺘﺒﺎﺩﻻ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻋﺼﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﺤﺪﻭﺩﺍ ﺑﺤﺪﻭﺩ ﻋﺼﺒﺘﻪ . ﻓﻬﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺿﻐﻄﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻬﺎ ، ﻓﻬﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺗﻀﻤﻦ ﺍﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﺑﻴﻦ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺳﺮ ﻗﻮﺗﻬﺎ ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﻓﻮﺍﺭﻕ ﺃﻭ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻟﻼﺳﺘﻐﻼﻝ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺪﻡ ﺧﺪﻣﺎﺕ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻓﻲ ﺩﺭﺟﺘﻪ ﺑﻘﺪﺭ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺔ ﻷﻫﻞ ﻋﺼﺒﻴﺘﻪ ﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ، ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﻮ ﻣﺪﻯ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻻ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻘﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ .
ﻭﺗﺘﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﻘﺪﺭ ﺗﻀﺎﻣﻨﻪ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻪ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﻟﻬﺎ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﻨﺒﺬﻩ ، ﻓﻴﻔﻘﺪ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﺿﺪ ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻄﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﺼﺒﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﺒﻠﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﺋﺐ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺍ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺍﻟﺘﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ، ﻭﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻭﻣﻨﻌﺘﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ ﺇﻻ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻧﺸﺎﻃﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ .
ﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﺘﻤﻴﺰﺍ ﻓﻘﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻼﺯﻣﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻣﻼﺯﻣﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻓﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻴﻬﺎ " ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ " ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ " ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ " ﺣﻴﻦ ﻭﻗﻮﻉ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻭﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻳﻠﺨﺼﻬﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻗﺎﺋﻼ : " ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﻭﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ " .
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺗﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﻣﺒﺪﺃﻳﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻴﻦ :
ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻷﻭﻝ : ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ، ﺃﻱ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﻮﺭ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﻌﺎﻭﻧﻪ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺟﻨﺴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﺒﻘﺎﺋﻪ ، ﻷﻧﻪ ﻋﺎﺟﺰ ﻭﺍﻗﻌﻴﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻘﻀﺎﺀ ﻛﻞ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍ ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣﻔﻜﺮﻭﻥ ﻋﺪﻳﺪﻭﻥ ﻗﺒﻞ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﺍﺑﻲ ، ﻭﺃﺭﺳﻄﻮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ، ﻭﻗﺪ ﺃﻗﺮ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻌﺘﺒﺮﺍ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .
ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺃﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻣﺘﺄﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺠﺒﻮﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻣﻌﺎ ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﻓﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﺍﺯﻉ ، ﻭﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻋﻨﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻭﻫﻮ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺳﻠﻄﺔ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﻤﺎﺳﻜﻪ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ ﻭﻛﺒﺢ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ " ﻭﺍﺣﺘﺎﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ، ﻭﻫﻮ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ".
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻫﻲ :
1- ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ، ﺃﻱ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ، ﻓﺘﺘﺄﻃﺮ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺎﻓﺔ .
2- ﺗﺆﺩﻱ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻪ ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ، ﻟﻌﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﺃﻳﺔ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ .
3- ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ، ﺃﻱ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ، ﻭﺍﻟﺘﻜﺘﻞ ، ﻭﻣﺠﺎﺑﻬﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺻﺮﺍﻉ ﻭﺟﻮﺩ ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻘﺴﺎﻭﺓ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ، ﻭﺿﺂﻟﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ، ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺃﻣﺮﺍ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺬﻭﺑﺎﻥ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﻔﻆ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ .
4- ﺗﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻼﺣﻢ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪ ، ﺭﻏﻢ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺃﻣﺮ " ﻭﻫﻤﻲ " ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ .
5- ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺘﺪﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ، ﻭﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﺎﻡ ، ﻭﺇﻥ ﻭﺟﺪ ﺗﻤﺎﻳﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻧﺤﻮ ﺃﻫﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ، ﻓﻬﻲ ﺗﺪﻋﻢ " ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ " ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ " ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ " ﺃﻱ ﺫﻭﺑﺎﻥ ﺍﻷﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻷﻧﺎﺀ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ . ﻭﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﻳﺘﺄﻃﺮ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ ، ﻭﻛﺮﻡ ، ﻭﺧﻼﻝ ﺣﻤﻴﺪﺓ ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﻴﺮ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺇﺫﺍ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﻼﻝ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻨﻴﺔ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .
ـ ﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻅ ﺑﻪ ، ﺃﻱ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ، ﻭﻫﻲ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻊ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻭﻫﺪﻓﻬﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ، ﻭﻳﻘﺮﺭ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ " ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﻱ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻠﻚ " ﻣﺒﻴﻨﺎ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ " ﺃﻥ ﺍﻵﺩﻣﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺯﻉ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ، ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺘﻐﻠﺒﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻓﺎﻟﺘﻐﻠﺐ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .
ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺻﺪ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮﺓ ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺍﺯﻉ ﺃﻱ ﺣﺎﻛﻢ ، ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻗﺪ ﺃﻭﻻﻫﺎ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ ، ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﺇﺫ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﻧﻈﺮﺓ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﺗﻘﺴﻴﻤﻪ ﻟﻠﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ : ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ، ﻭﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻀﺮﻱ ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻭﺍﺯﻉ ﺧﺎﺹ ﻟﺼﺪ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ، ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺃﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺒﺪﻭ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ :
1. ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ : ﻭﻣﺼﺪﺭﻩ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ، ﺃﻱ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ، ﻓﺎﻟﻮﺍﺯﻉ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻛﺎﺑﺮﻫﻢ ﻭﻣﺸﺎﻳﺨﻬﻢ ، ﻟﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺎﺭ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻣﻬﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻧﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﻟﺪﻯ ﻗﻮﻣﻬﻢ .
2. ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ : ﻭﻣﺼﺪﺭﻩ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻛﺎﻟﻐﺰﻭ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ، ﻓﺎﻟﻮﺍﺯﻉ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﺠﻌﺎﻥ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ، ﻭﺃﻣﺎ ﺣﻠﻠﻬﻢ ﻓﻴﺬﻭﺩ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﺠﺎﺩﻫﻢ ﻭﻓﺘﻴﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ .
ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ـ ﺍﻟﺤﻜﻢ ـ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻳﻮﺿﺢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﺋﺐ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻟﻜﻲ ﺗﻠﺘﺤﻢ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﺘﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﺒﺮﻯ ـ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ـ ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﺍﻓﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ " ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﻐﻠﺒﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﺘﺒﻌﻬﺎ ﻭﺗﻠﺘﺤﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻭﺗﺼﻴﺮ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﺒﺮﻯ ، ﻭﺇﻻ ﻭﻗﻊ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﻤﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻉ .
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻗﻮﻳﺔ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ، ﻭﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻗﻮﻳﺔ ، ﻭﻫﺬﻩ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﻭﺗﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺩﻭﺍﻟﻴﻚ ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﻳﻬﺎ ﺍﻟﻮﻫﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ، ﻭﺑﺰﻭﺍﻟﻬﺎ ﺗﺰﻭﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ .
ﻭﻳﻌﻠﻞ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺛﻢ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﺑﻀﻌﻒ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﺎ ـ ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ـ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﻻﻧﻔﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ ﻭﺍﻻﻧﻐﻤﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻑ ﻭﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺫﻥ ﺑﺰﻭﺍﻟﻬﺎ ، ﻭﻳﻘﺮﺭ ﺫﻟﻚ " ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻝ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻠﺠﺄ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻨﻜﺴﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﻔﻨﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﻋﺸﺎﺋﺮﻫﺎ " .
ﻭﻳﺮﺟﻊ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
1. ﺳﻌﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻟﺘﺴﻴﻴﺮ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﺤﻜﻢ ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻌﻒ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ، ﻓﻴﺴﺘﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﻮﻡ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺃﻫﻞ ﻋﺼﺒﺘﻪ .
2. ﺍﻟﺘﻨﺎﺻﺮ ﻭﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ، ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺎﻻﻧﻔﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ ، ﻭﺍﻟﺘﻨﻜﺮ ﻟﻘﻮﻣﻪ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻢ ﺗﺤﻘﻖ ﺷﺮﻁ ﻗﻮﺗﻬﺎ ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ، ﻭﺍﻟﺘﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﻋﺼﺒﺎﺕ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ .
3. ﺍﻧﻐﻤﺎﺱ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺮﻑ ﻭﺍﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ، ﻭﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺫﻥ ﺑﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ، ﻭﻳﻘﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻨﺴﻴﻬﻢ ﺣﺎﻟﺔ " ﺍﻟﺘﻮﺣﺶ " ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻧﺒﺜﺎﻕ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ .
4. ﻭﺟﻮﺩ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ، ﻭﺇﻻ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻗﺪ ﻳﻄﻮﻝ ، ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻬﺮﻡ ، ﺗﻌﻤﻞ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻬﺮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﻳﻘﺎﻅ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﺓ ، ﺍﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻭﻋﻴﻬﻢ ﻟﻠﻀﻐﻂ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺪﺩ ﻛﻴﺎﻧﻬﻢ ، ﻓﺘﺘﻮﺣﺪ ﻋﺼﺒﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺛﺎﺋﺮﺓ .
ـ ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺑﺪﻭﻧﻬﺎ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﻗﻴﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ـ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ، ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﻋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺒﻴﻨﺎ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﻤﺎﺳﻜﻪ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻭﺗﻮﺣﺪﻫﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﻋﺪﻡ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ .
ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻤﻠﻚ " ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ " ﻭﻗﻮﺗﻪ ، ﻭﻳﻀﻌﻔﻬﺎ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﻳﺰﻭﻝ ، ﻓﻮﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻅ ﺑﻪ ( ﻛﺎﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ) ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ، ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﺇﻻ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺩﻭﻟﺔ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻓﺮﺿﻬﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﻦ ﺗﺤﺼﻞ ﺇﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺃﻱ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻓﻲ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ، ﻭﺗﺄﻛﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺤﺮﻙ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺻﺎﻍ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻔﺴﺮﺓ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺃﻻ ﻭﻫﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ، ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ ﺃﻱ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻻﻧﻔﻜﺎﻙ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ .
التعليقات على الموضوع