الثورة التحريرية الجزائرية
خطة الدرس : 1- الظروف الداخلية و الخارجية لاندلاع الثورة ، 2- مراحل الثورة التحريرية ، 3- وسائل الثورة التحريرية ،4- الموقف الوطني و الفرنسي و الدولي من الثورة ،5- صعوبات الثورة .
1- الظروف الداخلية و الخارجية لاندلاع الثورة :
أ- الظروف الداخلية :
- الرفض المطلق بالاستعمار الفرنسي و وجوده و ممارساته منذ أن وطأت أقدامه الجزائر.
- بلوغ النضال السياسي الجزائري مرحلته الأخيرة .
- فشل كل النضالات في ظل الشرعية الاستعمارية .
- انعدام وحدة الصف في مجابهة الاستعمار .
الظروف الاقليمية :
- انطلاقة الثورة التونسية عام 1952 ، و قيام الثورة في المغرب الأقصى عام 1953 ، و نجاح الثورة المصرية عام 1952 ، و بدأ الوطن العربي كله يتأجج في حالة ثورة و اشتعال .
الظروف الدولية :
- انتشرت موجة التحرر في العالم الثالث في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية و حصول الكثير من الدول على استقلالها و كان هذا عاملا قويا من عوامل اندلاع الثورة التحريرية .
- لقد كان لكفاح شعب الفيتنام و انتصاره الباهر في معركة ديان بيان فو ضد الاستعمار الفرنسي ، صدى عميق و تأثير كبير لدى الشعوب التي لا تزال تعاني من وطأة الاستعمار و وطأته و من بينها الشعب الجزائري . و بالتالي فقدان فرنسا لمكانتها الدولية بعد هذه الهزيمة .
2- المراحل الأولى للثورة التحريرية :
أ- التحضير السياسي للثورة :
اللجنة الثورية للوحدة و العمل ( CRUA ):
في ظل أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية ظهر تيار ثالث غير منحاز للطرفين المتصارعين أسس اللجنة الثورية للوحدة و العمل في يوم 23 مارس 1954 . تم بمبادرة من قدماء المنظمة الخاصة و على رأسهم محمد بوضياف كحل جذري للصراع و النقاش العقيم الذي كانوا يدوروا بين أنصار مصالي و المركزيين. و شرعوا العمل فورا في تنظيم الكفاح المسلح.
إن اللجنة الثورية " ليست بمنظمة و لا هي حزب ، و لا فريق على شاكلة المركزيين في ذلك الوقت ، لقد كانت لجنة اسما على مسمى " لجنة الثورية للوحدة و العمل " ، كان هدفها إطلاق حركة رأي عام قادر على تحقيق تلاحم القاعدة النضالية للحيلولة دون وقوفها في تحالف وراء هذا و ذاك من الأطراف المتصارعة..."
الجدير بالذكر أن اللجنة الثورية حلت نفسها بنفسها ، ( أي لم يعد لها وجود ) لأنها فقدت علة وجودها ، بعدم تمكينها من تحقيق الوحدة و المصالحة بين جناحي الحركة المتنازعين ، و انتهت بميلاد مجموعة 22 .
اجتماع مجموعة 22 و تكوين لجنة الستة :
خلال ثلاثة أشهر كاملة جاب إطارات المنظمة السرية القدماء كامل أنحاء البلاد ، و على اثر الاتصالات التي قام بها محمد بوضياف مع أعضاء المنظمة الخاصة تبنى هؤلاء اجتماع الاثنين و العشرين في 25 جوان 1954 ، الذي ضم مناضلي المنظمة الخاصة فقط . و من أهم القرارات التي صدرت عن هذا الاجتماع التاريخي نذكر :
1- انتخاب قيادة وطنية خماسية مشكلة من محمد بوضياف منسقا عاما ، بن بولعيد ، ديدوش مراد ، العربي بن مهيدي ، رابح بيطاط.
2- اتخاذ قرار الثورة المسلحة و ذلك بالوسائل المتاحة.
3- مباشرة التدريبات العسكرية.
4- البحث عن الاسلحة و جمعها و توزيعها.
و عليه فقد انبثقت عن هذا الاجتماع هيئة تنفيذية هي – لجنة الستة – التي اتخذت القرار التاريخي لإعلان الجهاد في فاتح نوفمبر 1954 ( تشمل مصطفى بن بولعيد ، محمد العربي بن مهيدي ، رابح بيطاط ، محمد بوضياف ، مراد ديدوش ، و هؤلاء الخمسة هم من قدماء المنظمة الخاصة ، بلقاسم كريم بعد انضمامه الى اللجنة في اوت 1954 ، و بعدها لجنة التسعة بإضافة أعضاء الوفد الخارجي وهم : أحمد بن بلة ( مكلف بالتسليح ) ، آيت أحمد ( مكلف بالعلاقات الخارجية ) و محمد خيضر ( مكلف بالعلاقات السياسية ).
و عقدت لجنة الستة عددا من الاجتماعات بهدف الاعداد للثورة منذ بداية سبتمبر أهمها : اجتماع 10 أكتوبر 1954 بالعاصمة ، قرروا فيه تأسيس جبهة التحرير الوطني ، و جناحها العسكري " جيش التحرير الوطني " . و إعداد بيان سياسي ذاع بموازاة اندلاع الثورة بإذاعة " صوت العرب " من القاهرة . كما تم تقسيم البلاد إلى خمس مناطق و عينوا عليها مسؤوليها و نوابهم كمايلي :
- المنطقة الأولى : الأوراس و يشرف عليها مصطفى بن بولعيد و ينوب عنه بشير شيهاني
- المنطقة الثانية : قسنطينة و يشرف عليها ديدوش مراد و ينوب عنه زيغود يوسف
- المنطقة الثالثة : القبائل و يشرف عليها كريم بلقاسم و ينوب عنه عمر أوعمران
- المنطقة الرابعة : الجزائر و يشرف عليها رابح بيطاط و ينوب عنه بوجمعة سويداني
- المنطقة الخامسة : وهران و يشرف عليها العربي بن مهيدي و ينوب عنه عبد الحفيظ بوصوف .
أما الصحراء فظلت تابعة إلى الولاية الأولى الى سنة 1956 ، كما كلف بوضياف بالتنسيق بين المناطق الداخلية و الوفد المقيم بالقاهرة . و في 17 أكتوبر تم عقد اجتماع آخر بعين القصر ( الأوراس ) برئاسة بن بولعيد لتوزيع السلاح و تحديد المسؤوليات ، و تحديد نقاط تجميع الرجال.
و في 23 أكتوبر عقد الستة اجتماعا ثالثا و وصف " باجتماع الحسم " نتج عنه تغيير اسم " اللجنة الثورية " إلى " جبهة التحرير الوطني " و تعيين ساعة الصفر من يوم الاثنين 6 ربيع الأول 1374 الموافق ل 1 نوفمبر 1954 تاريخا لانطلاق الثورة . كما تم الاتفاق بعقد مؤتمر للثورة بعد انتهاء السداسي الأول من عمرها ، و من جهة أخرى قرئ في ذلك الاجتماع بيان أول نوفمبر موقعا من جبهة التحرير ، و هو الميثاق المرجعي للثورة الذي حدد مبادئها و أهدافها و وسائلها ، و نداء جيش التحرير الوطني الى الجزائريين للالتحاق بالثورة.
ب- التحضير العسكري و المادي للثورة:
لقد تأخر الإعداد العسكري و المادي للثورة مقارنة مع التحضير السياسي و من أجل دراسة ما تحتاجه الثورة المسلحة من عتاد ، قررت اللجنة الثورية للوحدة و العمل القيام بعدة نشاطات ، ففي صيف 1954 م أعطيت الأوامر ب :
- إحصاء عدد الأسلحة التي يمتلكها المناضلون مهما كانت نوعيتها سواء حربية أو للصيد.
- إحصاء عدد المناضلين و تقسيمهم لأفواج.
- وضع خريطة و قائمة لإحصاء أماكن المياه و المخابئ و الجبال و مراكز العدو.
- جمع التبرعات و الزكاة و الامتناع عن دفعها للمصاليين أو المركزيين و شراء الأسلحة و الألبسة العسكرية.
- مضاعفة جهودها لصنع المتفجرات التقليدية و رفع شعار الثورة " سلاحنا نفتكه من عدونا".
و في إطار هذا التوجه ، دعت جبهة التحرير الوطني كافة التشكيلات السياسية إلى الإعلان عن حل نفسها رسميًا ، و دفع مناضليها و مريديها إلى الالتحاق ، فرادى ، بالصفوف ، و أكدت من خلال النداء الأول و في مناسبات عديدة ، أن التفاوض لا يكون إلا معها بصفتها قائدًا للكفاح المسلح و ممثلا وحيدًا للشعب الجزائري.
ت- بداية العمل الثوري المسلح :
و بخصوص العمليات العسكرية و شبه العسكرية المعلنة عن بداية الكفاح المسلح ، فقد شهدت الجزائر في الليلة من 31 أكتوبر على 1 نوفمبر 1954 تنفيذ العديد من العمليات المختلفة عبر الكثير من مناطق الجزائر ، و حسب التقارير الرسمية للأمن الفرنسي ( الشرطة و الدرك ) في تلك الفترة ، فإن المنطقة الأولى " الأوراس " عرفت تنفيذ 43 هجوما من مجموع 80 عبر كامل تراب الجزائر بإمرة بن بولعيد ، أما المنطقة الثانية " الشمال القسنطيني " بقيادة ديدوش مراد فقد عرفت تنفيذ عمليتين كبيرتين فقط . في حين عرفت منطقة القبائل و المنطقة الرابعة ( الوسط الجزائري ) و المنطقة الخامسة ( الغرب الجزائري ) تنفيذ أربع عشر هجوما .
و تركزت الهجومات على المراكز الحساسة للسلطات الاستعمارية مثل : مقرات الدرك و الشرطة ، و الثكنات و محطات توليد الكهرباء . و تخريب الخطوط الهاتفية كتلك الرابطة بين مدينة خنشلة بمدينتي باتنة و عين البيضاء ( عين بعيدة ) . و بين الخروب و قسنطينة . بالإضافة إلى تلك الهجومات التي نفذت في كل من المباني الإدارية و المدنية ، الوحدات الصناعية الاقتصادية ، الطرق و الجسور ، ووسائل النقل .
ث- مرحلة ما بعد هجمات 1 نوفمبر 1954 :
أ- تعبئة الرأي العام الجزائري : كانت المرحلة الموالية من عمر الكفاح المسلح بعد عمليات الفاتح من نوفمبر 1954 مرحلة طغت عليها الأولوية التي أعطيت للعمل السياسي لإعطاء دفع للكفاح المسلح ، و ذلك من خلال تعبئة الرأي العام الجزائري و نيل ثقتهم و دفعهم للالتزام بدعم المعركة من أجل الاستقلال و المشاركة فيها ، باعتبار أن الشعب الجزائري لم يكن مهيئا لتحمل ثقل الحرب .
ب- تكثيف العمليات شبه العسكرية : في هذه المرحلة أعطيت الأوامر لعناصر جيش التحرير الوطني بتكثيف العمليات شبه العسكرية ، و ذلك لإحداث التأثير البسيكولوجي و خلق جو من عدم الآمان و القلق ، و قد اقتصرت العمليات في هذه الفترة على إزعاجات سريعة ، و اشتباكات صغيرة ، فضلا عن المضاعفة من أعمال تهديم طرق السكك الحديدية ، أعمدة الهاتف ، حرق المحاصيل ...
ت- مرحلة تصفية الخونة و عملاء فرنسا :
كانت القاعدة العامة لجبهة و جيش التحرير الوطني أن كل من يعمل مع الاستعمار خائن و يستحق الموت ، و لضمان استمرارية الكفاح المسلح و نجاح الثورة و انتشارها عمل المناضلين على تطهير المحيط الريفي من ممثلي سلطات الاستعمار و هيئاته ، حيث كانت أولا توجه إليهم الانذارات ( رسائل تهديد ) ، و إن لم يستجيبوا فهي التصفية الجسدية.
3- وسائل و استراتيجية الثورة التحريرية :
• إن استراتيجية قادة الثورة التحريرية كانت تقوم على أساس خلق جهاز سياسي لجبهة و جيش التحرير الوطني الجزائري بحث يكون هذا الجهاز قادرا على شرح و معنى و أهداف الثورة ، و ذلك بقصد كسب تأييد الشعب و خلق تعاونات متينة بين السكان و قيادة الثورة .
• شن حملة واسعة ضد الخونة و المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي .
• كما قامت استراتيجية قادة جبهة التحرير على أساس خلق عدم الاستقرار و إنشاء مناطق محررة من النفوذ الفرنسي ، تكون بمثابة مقرات للقيادة الثورية . و نظرا لاتساع الجزائر و صعوبة التنقل فيها ، فقد قررت القيادة الثورية أن يقوم قادة كل منطقة أو ولاية بالعمليات العسكرية و السياسية بناء على مبادرات محلية.
• العمليات الفدائية : نظرا للتفوق الكبير للجيش الفرنسي من حيث العتاد اعتمدت الثورة في مواجهة العدو منذ انطلاقها و الى غاية الاستقلال على العمليات الفدائية في المدن و المكامن و الاشتباكات في المناطق الجبلية .
• اعتماد الثوار على أسلوب حرب العصابات الحديثة نتيجة عدم استطاعتهم صد الهحومات الفرنسية عليهم ، و بذلك صعب على الفرنسيين أن يقضوا على الثورة أين تقع ، و استحال عليهم سحق قوات الثوار المتواجدة في جميع المناطق الجبلية بالجزائر .
• اعطاء الأولية للداخل على الخارج ، بحيث القرارت الهامة المتعلقة بالثورة يتخذها قادة الثورة بالداخل .
• هجومات الشمال القسنطيني : كانت بهدف تخفيف الحصار الذي كان مفروضا على منطقة الأوراس ، حيث بادر جيش التحرير و في وضح النهار بقيادة زيغود يوسف و بمساعدة سكان المنطقة من المدنيين شن هجومات عنيفة يوم 20 اوت 1955 في شمال قسنطينة ( سكيكدة ، ميلة و الحروش ) على 36 مركزا استعماريا و الذي تواصل لمدة ثلاثة أيام .
و من نتائجها :
- برهنت للعالم أن الثورة الجزائرية ليست مسألة فرنسية داخلية كما كانت تدعي ، و إنما تندرج في إطار حركة تحررية .
- خلق الرعب و الهلع في نفوس الأوربيين في الجزائر .
- شجع الجزائريين على الانضمام إلى جيش التحرير الوطني.
- تمكن زيغوذ يوسف من الاستيلاء على 1300 قطعة حربية .
• استراتيجية توسيع الجبهة : ابتداء من شهر جانفي 1955 شرع قادة الجبهة في انتهاج سياسة جديدة تقوم على أساس توسيع الجبهة و تمكينها من استقطاب جميع العناصر الوطنية التي تلتزم بالنضال من أجل تحرير الجزائر و استعادة السيادة الوطنية ، و عليه التحق عبان رمضان بالثورة في 19 جانفي 1955 بعد خروجه من السجن ، حيث أصبح يلعب دور التنسيق بين الولايات ،و بفضل المجهودات كبيرة التي قام بها بقصد توحيد جميع التيارات السياسية توسعت الجبهة و أصبحت تضم المناضلين في حزب الشعب ، و حزب البيان برئاسة فرحات عباس ( 1955) و جمعية العلماء المسلمين بقيادة البشير الابراهيمي ( في 1956) ، و لم يلتحق بركب الثورة سوى الحزب الشيوعي الجزائري سبب رفضه أن يحل بنفسه ، و أنصار مصالي الذين كانوا يصرون على أن يكون مصالي الحاج هو قائد الثورة . ثم تدعمت الثورة كذلك بعناصر موالية لعبان رمضان مثل يوسف بن خدة و أصبح كأحد مساعديه ابتداء من شهر ماي 1955.
• الاضرابات :الاضراب الذي نادى به الاتحاد العام للعمال الجزائريين كان يرأسه انذاك الشهيد عيسات ادير و دام أسبوعا من 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957 ، و على إثره شلت الحركة الاقتصادية و التجارية في مختلف القطر الجزائري .
• المظاهرات : مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بالجزائر و مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بفرنسا.
• المهاجرون الجزائريون و دورهم في النضال السياسي أثناء الثورة التحريرية : لقد ساهم المهاجرون الجزائريون بفضل دعمهم المعنوي و المادي في نقل معركة الجزائر على فرنسا و من ثمة انجاح الثورة ، حيث تواصل دعمهم لإخوانهم في الجزائر عبر الاتصال الدائم بهم عن طريق المكاتب الحزبية التي أنشأوها في مختلف المدن الصناعية الفرنسية سواء في عهد نجم شمال افريقيا أو حزب الشعب أو جبهة التحرير .
4- الموقف الوطني و الدولي من الثورة التحريرية :
لقد شكل اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من شهر نوفمبر 1954 حدثا سياسيا و عسكريا مفاجئا لجميع الأطراف ، بداية من الاستعمار الفرنسي الذي لم يكن يتوقعه في خضم الأزمة الحادة التي كانت تعيشها حركة انتصار الحريات الديمقراطي ، و للشعب بحكمه ضعفه و سوء حالته الاجتماعية .
أ- الأحزاب السياسية :
نظرت التشكيلات الحزبية الوطنية في بداية الأمر إلى هذه الثورة بتحفظ ، حيث كانت تظن أنها عابرة ، و لم يلتحق بها الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي كان يترأسه فرحات عباس إلا بعد سنة ( 1955) بينما انتظرت جمعية العلماء المسلمين سنتين. ( 1956)
و من جهة أخرى كثف قادة مختلف التيارات السياسية الوطنية في الجزائر من نداءاتهم لضبط الأعصاب و الهدوء ، حيث جاب فرحات عباس بنفسه المقاهي داعيا إلى ذلك ، كما دعت جمعية العلماء المسلمين طلبتها إلى عدم المشاركة في أي عمل له علاقة بما يحدث .
ب- موقف الشعب الجزائري : كان الرأي العام الجزائري يعيش في صائفة 1954 حالة من القلق و البلبلة من جراء الانقسامات التي حدثت في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية و لم يكن المستقبل يلوح له واضحا ، و بالتالي لم يكن يتصور اندلاع الأحداث التي ستكون الجزائر مسرحا لها ، كما لم يكن مهيئا لتأييد أي عمل ضد فرنسا . و في هذا السياق كان قد أكد من هم يمثلون النخبة أن الشعب الجزائري لم يكن يملك لا الاستعداد و لا الحرية اللازمة للقيام باختيار منهج ما . لذلك برزت حالة الخوف و الترقب في صفوف الجزائريين خاصة بالمناطق التي مستها عمليات أول نوفمبر .
لكن رغم كل ذلك فإن جبهة التحرير الوطني قامت بتعبئة الشعب الجزائري حول نداء اول نوفمبر ، الأمر الذي جعل مختلف شرائح المجتمع من عمال و فلاحين و تجار و مثقفين و طلبة تنظم إلى صفوف جيش التحرير الوطني ، حتى أصبحت تعاني من شدة الاقبال .
ت- الموقف الفرنسي :
• حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية و شن حملة من الاعتقالات :
صدر مرسوم بتاريخ الخامس من شهر نوفمبر 1954 ، بقضي بحل حركة انتصار الحريات الديمقراطية و كل المنظمات و الهيئات التابعة لها و تحريم نشاطها في كافة أنحاء تراب الجمهورية الفرنسية .
• الإجراءات الأمنية :
- قامت السلطات الاستعمارية بتكوين قوات إضافية محلية من " القوم المتطوعين " في عدة مراكز من الأوراس و ذلك خلافا للقوانين .
- شرعت القيادة العسكرية في الجزائر منذ اليوم التاسع عشر من شهر جانفي 1955 في تنظيم عمليات واسعة النطاق استهلتها بقنابل مكثفة لجبال الأوراس ، ثم ألقت بآلاف الجنود المزودين بجميع أنواع الأسلحة لتمشيط المنطقة ، أي تفتيشها شبرا شبرا حتى لا يبقى فيها متمرد واحد .
- إعلان حالة الطوارئ سنة 1955 كإجراء قانوني جديد ، يشكل حلا وسطا بين الحالة العادية حيث الاحترام لجميع الحريات ، و حالة الحصار التي تؤدي حتما إلى تفكيك الهياكل التقليدية الادارية ، لأنها تنقل الحكم إلى السلطات العسكرية . و كان الهدف منها هو شل الحركة الوطنية و إخماد النشاط الثوري قبل استفحاله .
- رفع عدد أفراد الجيش النظامي العامل بالجزائر إلى 100 ألف عسكري ، بالإضافة إلى تعزيز ما يسمى بقوات الأمن و المتمثلة في رجال الشرطة و الدرك الوطني . كما زود السلاح الجوي بمجموعة من الطائرات المطاردة و الطائرات العمودية و الطائرات المقنبلة و المصفحات المختلفة الأنواع ، غي حين تم تعزيز القوات البحرية العامة في الجزائر بوحدة من البوارج البحرية .
1- الظروف الداخلية و الخارجية لاندلاع الثورة :
أ- الظروف الداخلية :
- الرفض المطلق بالاستعمار الفرنسي و وجوده و ممارساته منذ أن وطأت أقدامه الجزائر.
- بلوغ النضال السياسي الجزائري مرحلته الأخيرة .
- فشل كل النضالات في ظل الشرعية الاستعمارية .
- انعدام وحدة الصف في مجابهة الاستعمار .
الظروف الاقليمية :
- انطلاقة الثورة التونسية عام 1952 ، و قيام الثورة في المغرب الأقصى عام 1953 ، و نجاح الثورة المصرية عام 1952 ، و بدأ الوطن العربي كله يتأجج في حالة ثورة و اشتعال .
الظروف الدولية :
- انتشرت موجة التحرر في العالم الثالث في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية و حصول الكثير من الدول على استقلالها و كان هذا عاملا قويا من عوامل اندلاع الثورة التحريرية .
- لقد كان لكفاح شعب الفيتنام و انتصاره الباهر في معركة ديان بيان فو ضد الاستعمار الفرنسي ، صدى عميق و تأثير كبير لدى الشعوب التي لا تزال تعاني من وطأة الاستعمار و وطأته و من بينها الشعب الجزائري . و بالتالي فقدان فرنسا لمكانتها الدولية بعد هذه الهزيمة .
2- المراحل الأولى للثورة التحريرية :
أ- التحضير السياسي للثورة :
اللجنة الثورية للوحدة و العمل ( CRUA ):
في ظل أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية ظهر تيار ثالث غير منحاز للطرفين المتصارعين أسس اللجنة الثورية للوحدة و العمل في يوم 23 مارس 1954 . تم بمبادرة من قدماء المنظمة الخاصة و على رأسهم محمد بوضياف كحل جذري للصراع و النقاش العقيم الذي كانوا يدوروا بين أنصار مصالي و المركزيين. و شرعوا العمل فورا في تنظيم الكفاح المسلح.
إن اللجنة الثورية " ليست بمنظمة و لا هي حزب ، و لا فريق على شاكلة المركزيين في ذلك الوقت ، لقد كانت لجنة اسما على مسمى " لجنة الثورية للوحدة و العمل " ، كان هدفها إطلاق حركة رأي عام قادر على تحقيق تلاحم القاعدة النضالية للحيلولة دون وقوفها في تحالف وراء هذا و ذاك من الأطراف المتصارعة..."
الجدير بالذكر أن اللجنة الثورية حلت نفسها بنفسها ، ( أي لم يعد لها وجود ) لأنها فقدت علة وجودها ، بعدم تمكينها من تحقيق الوحدة و المصالحة بين جناحي الحركة المتنازعين ، و انتهت بميلاد مجموعة 22 .
اجتماع مجموعة 22 و تكوين لجنة الستة :
خلال ثلاثة أشهر كاملة جاب إطارات المنظمة السرية القدماء كامل أنحاء البلاد ، و على اثر الاتصالات التي قام بها محمد بوضياف مع أعضاء المنظمة الخاصة تبنى هؤلاء اجتماع الاثنين و العشرين في 25 جوان 1954 ، الذي ضم مناضلي المنظمة الخاصة فقط . و من أهم القرارات التي صدرت عن هذا الاجتماع التاريخي نذكر :
1- انتخاب قيادة وطنية خماسية مشكلة من محمد بوضياف منسقا عاما ، بن بولعيد ، ديدوش مراد ، العربي بن مهيدي ، رابح بيطاط.
2- اتخاذ قرار الثورة المسلحة و ذلك بالوسائل المتاحة.
3- مباشرة التدريبات العسكرية.
4- البحث عن الاسلحة و جمعها و توزيعها.
و عليه فقد انبثقت عن هذا الاجتماع هيئة تنفيذية هي – لجنة الستة – التي اتخذت القرار التاريخي لإعلان الجهاد في فاتح نوفمبر 1954 ( تشمل مصطفى بن بولعيد ، محمد العربي بن مهيدي ، رابح بيطاط ، محمد بوضياف ، مراد ديدوش ، و هؤلاء الخمسة هم من قدماء المنظمة الخاصة ، بلقاسم كريم بعد انضمامه الى اللجنة في اوت 1954 ، و بعدها لجنة التسعة بإضافة أعضاء الوفد الخارجي وهم : أحمد بن بلة ( مكلف بالتسليح ) ، آيت أحمد ( مكلف بالعلاقات الخارجية ) و محمد خيضر ( مكلف بالعلاقات السياسية ).
و عقدت لجنة الستة عددا من الاجتماعات بهدف الاعداد للثورة منذ بداية سبتمبر أهمها : اجتماع 10 أكتوبر 1954 بالعاصمة ، قرروا فيه تأسيس جبهة التحرير الوطني ، و جناحها العسكري " جيش التحرير الوطني " . و إعداد بيان سياسي ذاع بموازاة اندلاع الثورة بإذاعة " صوت العرب " من القاهرة . كما تم تقسيم البلاد إلى خمس مناطق و عينوا عليها مسؤوليها و نوابهم كمايلي :
- المنطقة الأولى : الأوراس و يشرف عليها مصطفى بن بولعيد و ينوب عنه بشير شيهاني
- المنطقة الثانية : قسنطينة و يشرف عليها ديدوش مراد و ينوب عنه زيغود يوسف
- المنطقة الثالثة : القبائل و يشرف عليها كريم بلقاسم و ينوب عنه عمر أوعمران
- المنطقة الرابعة : الجزائر و يشرف عليها رابح بيطاط و ينوب عنه بوجمعة سويداني
- المنطقة الخامسة : وهران و يشرف عليها العربي بن مهيدي و ينوب عنه عبد الحفيظ بوصوف .
أما الصحراء فظلت تابعة إلى الولاية الأولى الى سنة 1956 ، كما كلف بوضياف بالتنسيق بين المناطق الداخلية و الوفد المقيم بالقاهرة . و في 17 أكتوبر تم عقد اجتماع آخر بعين القصر ( الأوراس ) برئاسة بن بولعيد لتوزيع السلاح و تحديد المسؤوليات ، و تحديد نقاط تجميع الرجال.
و في 23 أكتوبر عقد الستة اجتماعا ثالثا و وصف " باجتماع الحسم " نتج عنه تغيير اسم " اللجنة الثورية " إلى " جبهة التحرير الوطني " و تعيين ساعة الصفر من يوم الاثنين 6 ربيع الأول 1374 الموافق ل 1 نوفمبر 1954 تاريخا لانطلاق الثورة . كما تم الاتفاق بعقد مؤتمر للثورة بعد انتهاء السداسي الأول من عمرها ، و من جهة أخرى قرئ في ذلك الاجتماع بيان أول نوفمبر موقعا من جبهة التحرير ، و هو الميثاق المرجعي للثورة الذي حدد مبادئها و أهدافها و وسائلها ، و نداء جيش التحرير الوطني الى الجزائريين للالتحاق بالثورة.
ب- التحضير العسكري و المادي للثورة:
لقد تأخر الإعداد العسكري و المادي للثورة مقارنة مع التحضير السياسي و من أجل دراسة ما تحتاجه الثورة المسلحة من عتاد ، قررت اللجنة الثورية للوحدة و العمل القيام بعدة نشاطات ، ففي صيف 1954 م أعطيت الأوامر ب :
- إحصاء عدد الأسلحة التي يمتلكها المناضلون مهما كانت نوعيتها سواء حربية أو للصيد.
- إحصاء عدد المناضلين و تقسيمهم لأفواج.
- وضع خريطة و قائمة لإحصاء أماكن المياه و المخابئ و الجبال و مراكز العدو.
- جمع التبرعات و الزكاة و الامتناع عن دفعها للمصاليين أو المركزيين و شراء الأسلحة و الألبسة العسكرية.
- مضاعفة جهودها لصنع المتفجرات التقليدية و رفع شعار الثورة " سلاحنا نفتكه من عدونا".
و في إطار هذا التوجه ، دعت جبهة التحرير الوطني كافة التشكيلات السياسية إلى الإعلان عن حل نفسها رسميًا ، و دفع مناضليها و مريديها إلى الالتحاق ، فرادى ، بالصفوف ، و أكدت من خلال النداء الأول و في مناسبات عديدة ، أن التفاوض لا يكون إلا معها بصفتها قائدًا للكفاح المسلح و ممثلا وحيدًا للشعب الجزائري.
ت- بداية العمل الثوري المسلح :
و بخصوص العمليات العسكرية و شبه العسكرية المعلنة عن بداية الكفاح المسلح ، فقد شهدت الجزائر في الليلة من 31 أكتوبر على 1 نوفمبر 1954 تنفيذ العديد من العمليات المختلفة عبر الكثير من مناطق الجزائر ، و حسب التقارير الرسمية للأمن الفرنسي ( الشرطة و الدرك ) في تلك الفترة ، فإن المنطقة الأولى " الأوراس " عرفت تنفيذ 43 هجوما من مجموع 80 عبر كامل تراب الجزائر بإمرة بن بولعيد ، أما المنطقة الثانية " الشمال القسنطيني " بقيادة ديدوش مراد فقد عرفت تنفيذ عمليتين كبيرتين فقط . في حين عرفت منطقة القبائل و المنطقة الرابعة ( الوسط الجزائري ) و المنطقة الخامسة ( الغرب الجزائري ) تنفيذ أربع عشر هجوما .
و تركزت الهجومات على المراكز الحساسة للسلطات الاستعمارية مثل : مقرات الدرك و الشرطة ، و الثكنات و محطات توليد الكهرباء . و تخريب الخطوط الهاتفية كتلك الرابطة بين مدينة خنشلة بمدينتي باتنة و عين البيضاء ( عين بعيدة ) . و بين الخروب و قسنطينة . بالإضافة إلى تلك الهجومات التي نفذت في كل من المباني الإدارية و المدنية ، الوحدات الصناعية الاقتصادية ، الطرق و الجسور ، ووسائل النقل .
ث- مرحلة ما بعد هجمات 1 نوفمبر 1954 :
أ- تعبئة الرأي العام الجزائري : كانت المرحلة الموالية من عمر الكفاح المسلح بعد عمليات الفاتح من نوفمبر 1954 مرحلة طغت عليها الأولوية التي أعطيت للعمل السياسي لإعطاء دفع للكفاح المسلح ، و ذلك من خلال تعبئة الرأي العام الجزائري و نيل ثقتهم و دفعهم للالتزام بدعم المعركة من أجل الاستقلال و المشاركة فيها ، باعتبار أن الشعب الجزائري لم يكن مهيئا لتحمل ثقل الحرب .
ب- تكثيف العمليات شبه العسكرية : في هذه المرحلة أعطيت الأوامر لعناصر جيش التحرير الوطني بتكثيف العمليات شبه العسكرية ، و ذلك لإحداث التأثير البسيكولوجي و خلق جو من عدم الآمان و القلق ، و قد اقتصرت العمليات في هذه الفترة على إزعاجات سريعة ، و اشتباكات صغيرة ، فضلا عن المضاعفة من أعمال تهديم طرق السكك الحديدية ، أعمدة الهاتف ، حرق المحاصيل ...
ت- مرحلة تصفية الخونة و عملاء فرنسا :
كانت القاعدة العامة لجبهة و جيش التحرير الوطني أن كل من يعمل مع الاستعمار خائن و يستحق الموت ، و لضمان استمرارية الكفاح المسلح و نجاح الثورة و انتشارها عمل المناضلين على تطهير المحيط الريفي من ممثلي سلطات الاستعمار و هيئاته ، حيث كانت أولا توجه إليهم الانذارات ( رسائل تهديد ) ، و إن لم يستجيبوا فهي التصفية الجسدية.
3- وسائل و استراتيجية الثورة التحريرية :
• إن استراتيجية قادة الثورة التحريرية كانت تقوم على أساس خلق جهاز سياسي لجبهة و جيش التحرير الوطني الجزائري بحث يكون هذا الجهاز قادرا على شرح و معنى و أهداف الثورة ، و ذلك بقصد كسب تأييد الشعب و خلق تعاونات متينة بين السكان و قيادة الثورة .
• شن حملة واسعة ضد الخونة و المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي .
• كما قامت استراتيجية قادة جبهة التحرير على أساس خلق عدم الاستقرار و إنشاء مناطق محررة من النفوذ الفرنسي ، تكون بمثابة مقرات للقيادة الثورية . و نظرا لاتساع الجزائر و صعوبة التنقل فيها ، فقد قررت القيادة الثورية أن يقوم قادة كل منطقة أو ولاية بالعمليات العسكرية و السياسية بناء على مبادرات محلية.
• العمليات الفدائية : نظرا للتفوق الكبير للجيش الفرنسي من حيث العتاد اعتمدت الثورة في مواجهة العدو منذ انطلاقها و الى غاية الاستقلال على العمليات الفدائية في المدن و المكامن و الاشتباكات في المناطق الجبلية .
• اعتماد الثوار على أسلوب حرب العصابات الحديثة نتيجة عدم استطاعتهم صد الهحومات الفرنسية عليهم ، و بذلك صعب على الفرنسيين أن يقضوا على الثورة أين تقع ، و استحال عليهم سحق قوات الثوار المتواجدة في جميع المناطق الجبلية بالجزائر .
• اعطاء الأولية للداخل على الخارج ، بحيث القرارت الهامة المتعلقة بالثورة يتخذها قادة الثورة بالداخل .
• هجومات الشمال القسنطيني : كانت بهدف تخفيف الحصار الذي كان مفروضا على منطقة الأوراس ، حيث بادر جيش التحرير و في وضح النهار بقيادة زيغود يوسف و بمساعدة سكان المنطقة من المدنيين شن هجومات عنيفة يوم 20 اوت 1955 في شمال قسنطينة ( سكيكدة ، ميلة و الحروش ) على 36 مركزا استعماريا و الذي تواصل لمدة ثلاثة أيام .
و من نتائجها :
- برهنت للعالم أن الثورة الجزائرية ليست مسألة فرنسية داخلية كما كانت تدعي ، و إنما تندرج في إطار حركة تحررية .
- خلق الرعب و الهلع في نفوس الأوربيين في الجزائر .
- شجع الجزائريين على الانضمام إلى جيش التحرير الوطني.
- تمكن زيغوذ يوسف من الاستيلاء على 1300 قطعة حربية .
• استراتيجية توسيع الجبهة : ابتداء من شهر جانفي 1955 شرع قادة الجبهة في انتهاج سياسة جديدة تقوم على أساس توسيع الجبهة و تمكينها من استقطاب جميع العناصر الوطنية التي تلتزم بالنضال من أجل تحرير الجزائر و استعادة السيادة الوطنية ، و عليه التحق عبان رمضان بالثورة في 19 جانفي 1955 بعد خروجه من السجن ، حيث أصبح يلعب دور التنسيق بين الولايات ،و بفضل المجهودات كبيرة التي قام بها بقصد توحيد جميع التيارات السياسية توسعت الجبهة و أصبحت تضم المناضلين في حزب الشعب ، و حزب البيان برئاسة فرحات عباس ( 1955) و جمعية العلماء المسلمين بقيادة البشير الابراهيمي ( في 1956) ، و لم يلتحق بركب الثورة سوى الحزب الشيوعي الجزائري سبب رفضه أن يحل بنفسه ، و أنصار مصالي الذين كانوا يصرون على أن يكون مصالي الحاج هو قائد الثورة . ثم تدعمت الثورة كذلك بعناصر موالية لعبان رمضان مثل يوسف بن خدة و أصبح كأحد مساعديه ابتداء من شهر ماي 1955.
• الاضرابات :الاضراب الذي نادى به الاتحاد العام للعمال الجزائريين كان يرأسه انذاك الشهيد عيسات ادير و دام أسبوعا من 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957 ، و على إثره شلت الحركة الاقتصادية و التجارية في مختلف القطر الجزائري .
• المظاهرات : مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بالجزائر و مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بفرنسا.
• المهاجرون الجزائريون و دورهم في النضال السياسي أثناء الثورة التحريرية : لقد ساهم المهاجرون الجزائريون بفضل دعمهم المعنوي و المادي في نقل معركة الجزائر على فرنسا و من ثمة انجاح الثورة ، حيث تواصل دعمهم لإخوانهم في الجزائر عبر الاتصال الدائم بهم عن طريق المكاتب الحزبية التي أنشأوها في مختلف المدن الصناعية الفرنسية سواء في عهد نجم شمال افريقيا أو حزب الشعب أو جبهة التحرير .
4- الموقف الوطني و الدولي من الثورة التحريرية :
لقد شكل اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من شهر نوفمبر 1954 حدثا سياسيا و عسكريا مفاجئا لجميع الأطراف ، بداية من الاستعمار الفرنسي الذي لم يكن يتوقعه في خضم الأزمة الحادة التي كانت تعيشها حركة انتصار الحريات الديمقراطي ، و للشعب بحكمه ضعفه و سوء حالته الاجتماعية .
أ- الأحزاب السياسية :
نظرت التشكيلات الحزبية الوطنية في بداية الأمر إلى هذه الثورة بتحفظ ، حيث كانت تظن أنها عابرة ، و لم يلتحق بها الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي كان يترأسه فرحات عباس إلا بعد سنة ( 1955) بينما انتظرت جمعية العلماء المسلمين سنتين. ( 1956)
و من جهة أخرى كثف قادة مختلف التيارات السياسية الوطنية في الجزائر من نداءاتهم لضبط الأعصاب و الهدوء ، حيث جاب فرحات عباس بنفسه المقاهي داعيا إلى ذلك ، كما دعت جمعية العلماء المسلمين طلبتها إلى عدم المشاركة في أي عمل له علاقة بما يحدث .
ب- موقف الشعب الجزائري : كان الرأي العام الجزائري يعيش في صائفة 1954 حالة من القلق و البلبلة من جراء الانقسامات التي حدثت في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية و لم يكن المستقبل يلوح له واضحا ، و بالتالي لم يكن يتصور اندلاع الأحداث التي ستكون الجزائر مسرحا لها ، كما لم يكن مهيئا لتأييد أي عمل ضد فرنسا . و في هذا السياق كان قد أكد من هم يمثلون النخبة أن الشعب الجزائري لم يكن يملك لا الاستعداد و لا الحرية اللازمة للقيام باختيار منهج ما . لذلك برزت حالة الخوف و الترقب في صفوف الجزائريين خاصة بالمناطق التي مستها عمليات أول نوفمبر .
لكن رغم كل ذلك فإن جبهة التحرير الوطني قامت بتعبئة الشعب الجزائري حول نداء اول نوفمبر ، الأمر الذي جعل مختلف شرائح المجتمع من عمال و فلاحين و تجار و مثقفين و طلبة تنظم إلى صفوف جيش التحرير الوطني ، حتى أصبحت تعاني من شدة الاقبال .
ت- الموقف الفرنسي :
• حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية و شن حملة من الاعتقالات :
صدر مرسوم بتاريخ الخامس من شهر نوفمبر 1954 ، بقضي بحل حركة انتصار الحريات الديمقراطية و كل المنظمات و الهيئات التابعة لها و تحريم نشاطها في كافة أنحاء تراب الجمهورية الفرنسية .
• الإجراءات الأمنية :
- قامت السلطات الاستعمارية بتكوين قوات إضافية محلية من " القوم المتطوعين " في عدة مراكز من الأوراس و ذلك خلافا للقوانين .
- شرعت القيادة العسكرية في الجزائر منذ اليوم التاسع عشر من شهر جانفي 1955 في تنظيم عمليات واسعة النطاق استهلتها بقنابل مكثفة لجبال الأوراس ، ثم ألقت بآلاف الجنود المزودين بجميع أنواع الأسلحة لتمشيط المنطقة ، أي تفتيشها شبرا شبرا حتى لا يبقى فيها متمرد واحد .
- إعلان حالة الطوارئ سنة 1955 كإجراء قانوني جديد ، يشكل حلا وسطا بين الحالة العادية حيث الاحترام لجميع الحريات ، و حالة الحصار التي تؤدي حتما إلى تفكيك الهياكل التقليدية الادارية ، لأنها تنقل الحكم إلى السلطات العسكرية . و كان الهدف منها هو شل الحركة الوطنية و إخماد النشاط الثوري قبل استفحاله .
- رفع عدد أفراد الجيش النظامي العامل بالجزائر إلى 100 ألف عسكري ، بالإضافة إلى تعزيز ما يسمى بقوات الأمن و المتمثلة في رجال الشرطة و الدرك الوطني . كما زود السلاح الجوي بمجموعة من الطائرات المطاردة و الطائرات العمودية و الطائرات المقنبلة و المصفحات المختلفة الأنواع ، غي حين تم تعزيز القوات البحرية العامة في الجزائر بوحدة من البوارج البحرية .
التعليقات على الموضوع