مراحل الغزو الفرنسي للجزائر سنة 1830
1- مرحلة الحصار البحري الفرنسي للسواحل الجزائرية 1827-1830 :
كان رد فرنسا على حادثة المروحة إرسال يوم 12 جوان 1827 قطعة من أسطولها الى الجزائر بقيادة القبطان كولي ( Collet ) ، الذي اقترح على الداي حسين قبول أحد الحلول التالية :
• أن يستقبل الباشا القبطان و رئيس أركانه و القنصل بمحضر الديوان و القناصل الأجانب و يعتذر أمامهم إلى دوفال .
• أن يرسل بعثة برئاسة وكيل الحرج ( وزير البحرية ) إلى قطعة الأسطول الفرنسي ليعتذر باسم الباشا إلى القنصل .
• أن يرفع العلم الفرنسي على جميع القلاع الجزائرية ، بما في ذلك القصبة و تطلق مائة طلقة مدفع تحية له.
و كانت تعليمات كولي تقتضي أنه في حالة قبول الباشا أحد الحلول الثلاثة يتقدم إليه بعد ذلك بعدة مطالب فرنسية تتضمن :
- دفع التعويضات .
- معاقبة الجزائريين المسؤولين عن الأضرار بالمنشآت الفرنسية .
- تسليح هذه المنشآت في المستقبل .
- اعلان الجزائر أنه لا حق لها في دين بكري.
- في حالة عدم استجابة الداي لواحد من هذه الاقتراحات المذكورة في ظرف 24 ساعة يعلن الحصار رسميا على الجزائر.
و عندما انقضى أجل الانذار بدون رد أعلنت فرنسا الحرب على الجزائر في شكل حصار بحري لميناء الجزائر يوم 16 جوان 1827 في غياب الأسطول الجزائري الذي كان في طريقه إلى اليونان لمساعدة الدولة العثمانية في معركتها البحرية المشهورة نافارين ، و كان الغرض من هذا الحصار تحقيق عدة أهداف نوجزها فيمايلي:
1- قطع التموين عن الجزائر ، و بالتالي إضعاف قوتها الاقتصادية المعتمدة على النشاط البحري .
2- إغلاق الباب أمام أي تدخل محتمل من طرف الدولة العثمانية أو الدول الأوروبية المنافسة لها من جهة.
3- إعطاء الوقت الكامل لمساعيها الدبلوماسية لإقناع الدول الأوروبية بجدوى احتلال الجزائر مدعية أن ذلك في صالح أوروبا و المسيحية عموما.
الجدير بالذكر أن طيلة السنوات الثلاثة للحصار حاولت فرنسا استئناف المفاوضات مع الجزائر ، فبعثت عدة وفود الى الداي حسين الذي أصر على عدم الاعتذار و تلبية المطالب الفرنسية . و كانت فرنسا تهدف من فتح باب التفاوض مع الجزائر إلى إلغاء الحصار بطريقة مشرفة نتيجة تكاليف الحصار الباهظة سواء من حيث تكاليف الأسطول أو من حيث الخسائر التي لحقت التجارة الفرنسية التي كانت مهددة بسبب عدم توقف القرصنة الجزائرية بصفة نهائية.
2- اعداد مشروع الحملة العسكرية على الجزائر :
شرعت فرنسا في اعداد مشروع الحملة العسكرية على الجزائر ، و في هذا الصدد تم اقتراح عدة مشاريع من طرف جنرالات و نواب منها :
• مشروع " كليمون طونير " وزير الحربية الذي قدم تقريرا إلى الملك يوم 14 أكتوبر 1827 ، يتضمن مشروعا مفصلا لعملية غزو مدينة الجزائر جاء في مقدمته " الحرب قائمة مع مدينة الجزائر ، كيف يمكن إنهاؤها بشكل مفيد و مجيد لفرنسا ؟ هذه هي المسألة التي يجب فحصها."
• الخطة التي أعدها رئيس مجلس وزراء فرنسا " بولينياك " تتمثل فيما ينبغي أن تكون عليه الجزائر بعد الانتصار عليها ، و اقترح على مجلس الوزراء حرية الاختيار بين البدائل الأربعة التالية :
أ- إبقاء الداي في حكم الجزائر على أن تشرف فرنسا عليه من الناحية العسكرية فيحدد له عدد الجيش و الأسطول الذي يستطيع الداي الاحتفاظ به .
ب- إعادة الجزائر إلى الدولة العثمانية لإنشاء حكومة منظمة فيها تضمن احترام الجزائريين للملاحة في البحر الأبيض المتوسط.
ت- أن تتقاسم فرنسا الجزائر مع الدول الأوروبية و خاصة انجلترا.
ث- أن تحتل فرنسا الجزائر بصورة دائمة و أن تستغلها اقتصاديا .
• اقتراح العودة إلى مشروع نابليون المتعلق باحتلال مدينة الجزائر و خطة الجاسوس بوتان التي أعدها عام 1808 .
و هو الاقتراح الذي أخذ بعين الاعتبار و على إثره قرر مجلس الوزراء الفرنسي يوم 31 جانفي 1830 تنظيم حملة على مدينة الجزائر تهدف إلى الثأر لشرف راية فرنسا – حسب مزاعمها –
3- الاستعداد الفرنسي للحملة العسكرية على الجزائر ( مرحلة التحضير للحملة ):
بعد أن تقررت الحملة بصفة فعلية ، عملت فرنسا على :
أ- تحضير الحملة بشريا :
• تعيين الأشخاص الذين يشرفون على التحضير للحملة أمثال : دوبري " قائدا للقوات البحرية .
• تعيين الجنرالات الذين يترأسون الفرق العسكرية للتعرف على جنودهم .
• عين وزير الحربية الكونت " دوبورمون " على رأس الحملة ، و كان تحت إمرته 17 ضابطا برتبة جنرال.
• هيئة من مترجمين بلغ عدد أفرادها حوالي 40 مترجما.
• رسامون .
• رجالات الدين.
ب- تحضير الحملة ماديا : تطلب تحضير الحملة ماديا حوالي ثلاثة أشهر من العمل ليلا نهارا ، حتى أصبح العتاد جاهزا في الأيام الأولى من شهر ماي و المتمثل في :
• 100 بارجة و 500 سفينة تجارية .
• كمية ضخمة من الملابس و من الخيام و الأغطية و أغذية شهرين .
• الأعلاف و العربات و أدوات شق الطرق و الأخشاب و الحواجز.
• كمية ضخمة من الخراطيش ( 5 ملايين خرطوشة ) و أكثر من 280 ألف كلغ من البارود .
• وسائل الاتصال و الاعلام مثل : التلغراف و المطبعة .
ت- تهيئة الرأي العام الداخلي و الدولي :
- تمكنت فرنسا من أن تحصل على موافقة اسبانيا للاستعمال موانئها و إقامة مستشفى في ماهون بالبليار يستعمل لعلاج الجرحى و المرضى .
- نجحت في ضمان حياد حسين باي تونس في حربها مع الجزائر منذ 1828 ، بل سمح هذا الباي بتسهيل تموين الحملة ان اقتضت الضرورة لذلك .
- عبر المغرب الأقصى عن امتناعه الصريح بتقديم العون للجزائر ، فقد سمح سلطانه مولاي عبد الرحمن للفرنسيين بالتزود من موانئه في حالة الضرورة كذلك .
- لم تلق فرنسا موقفا رافضا بصراحة سوى من انجلترا التي كانت تنظر إلى الحملة بعين الريبة و الشك ، إلى درجة أنها طالبت بتوضيحات خاصة بالحملة . ( رفضت قولا و ليس فعلا) .
4- انطلاق الحملة من ميناء طولون إلى سيدي فرج :
غادرت الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال وزير الحرب " دي بورمون " ميناء طولون الحربي يوم 25 ماي 1830 ، متجهة إلى الجزائر ، و قد وصلت الحملة إلى ميناء العاصمة الجزائرية في 14 جوان 1830 و نزلت بشبه جزيرة سيدي فرج وفق خطة بوتان التي أكد فيها أن تلك المنطقة هي نقطة الضعف في الدفاع الجزائري .
و في غياب خطة عسكرية دفاعية و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع الحملة من النزول إلى البر ، نجح الفرنسيون دون مقاومة تذكر و استولوا على سيدي فرج ، و انتصروا على قوات الداي في اسطاوالي أين كان معسكر القوات الجزائرية في 19 جوان 1830.
5- توقيع وثيقة الاستسلام في 5 جويلية 1830 :
في 4 جويلية 1830 سقط " برج مولاي الحسن " في يد الفرنسيين بعد أربعة أيام من المعارك ، و هو الحصن الذي يشرف على العاصمة و الوحيد الذي كان يحمي المدينة من الجهة الجنوبية و الجهات البرية بصورة عامة ، و على اثر ذلك عرض الداي التفاوض و الصلح مع « دي بورمون » ، لكن هذا الأخير رفض و أصر على استسلام الداي و تسليم العاصمة ، فعرض عليه عن طريق رسوله وثيقة تتضمن الشروط التالية :
• يسلم حصن القصبة ، و كل الحصون التابعة للجزائر ، و ميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي صبيحة يوم 5 جويلية 1830 على الساعة العاشرة.
• يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي تجاه صاحب السمو ، داي الجزائر ، بترك الحرية له ، و حيازة كل ثرواته الشخصية
• للداي حسين كامل الحرية في اختيار المكان الذي يرغب السفر إليه رفقة عائلته و أمواله ، و يكون تحت حماية القائد العام الفرنسي طوال اقامته في الجزائر ، وسيتولى حرس ضمان أمنه الشخصي و أمن أسرته.
• يتمتع الجنود الأتراك التابعين للجيش الجزائري بالحقوق المقررة في الفقرات السابقة ( أي نفس الامتيازات و نفس الحماية .)
• ستبقى ممارسة الشعائر الدينية الاسلامية حرة ، و لن يلحق أي مساس بحرية السكان من مختلف الطبقات ، و لا بدينهم ، و لا بأملاكهم ، و لا بتجارتهم و صناعتهم ، و ستكون نساؤهم محل احترام و يتعهد القائد العام الفرنسي بذلك عهد شرف.
• سيتم تبادل هذه المعاهدة قبل الساعة العاشرة ، و سيدخل الجيوش الفرنسية عقب ذلك حالا إلى القصبة ، ثم تدخل بالتتابع كل الحصون المدينة البحرية .
و اضطر الداي إلى قبول الشروط الفرنسية السالفة الذكر ، و وقع على وثيقة الاستسلام يوم 5 جويلية 1830 .
6- سقوط العاصمة و بداية الاحتلال :
بعد التوقيع على وثيقة الاستسلام دخل الجنود الفرنسيين مدينة الجزائر من الباب الجديد في يوم 06 جويلية 1830 و أنزلت أعلام دولة الداي من جميع القلاع و الأبراج و ارتفعت في مكانها رايات الاحتلال الفرنسي ، و أقيمت صلاة للمسيحيين.
و في يوم 10 جويلية رحل الداي عن مدينة الجزائر و توجه إلى نابولي بإيطاليا ، ثم التحق بفرنسا ، و أخيرا توجه إلى الاسكندرية حيث أقام بها حتى وفاته و دفنه بها سنة 1834 .
7- مرحلة توسع الاحتلال الفرنسي في مختلف المناطق الجزائرية :
بعد سقوط مدينة الجزائر خرج دي بورمون يوم 23 جويلية 1830 في حملة عسكرية لتوسيع رقعة الاحتلال بالداخل لكنه فشل في ذلك بفضل المقاومة الشعبية للجزائريين .
ليستخلفه " كلوزال " الذي عين يوم 13 أوت 1830 كأول جنرال حاكما عاما للجزائر ، فقام بإعادة تنظيم الجيش الفرنسي بعد هزائمه في مختلف مناطق الجزائر . و بفعل ذلك تمكن من دخول مدينة البليدة في 18 نوفمبر 1830 ، و في 22 نوفمبر من نفس السنة تم احتلال المدية.
و في 16 ديسمبر 1830 نجحت القوات الفرنسية في الاستيلاء على وهران ، و في عام 1833 استولت فرنسا على أرزيو و مستغانم و بعض المناطق المجاورة لهما .
و خلال فترة 1833 – 1834 ظلت فرنسا محاصرة في العاصمة ، حيث لم يقم العدو بغزوات جديدة إلا على المدن البحرية .
الجدير بالذكر أن المستعمر الفرنسي لم يتمكن من احتلال كامل التراب الوطني إلا بعد حوالي أربعين سنة ( 40 سنة ) من الكفاح ( 1830-1870) .
8- أسباب الهزيمة :
1- إعدام الداي حسين قائد جيشه " يحي آغا " في سنة 1827 و استبداله بصهره ابراهيم آغا الذي لا يفهم شيئا في فن الحرب أو قيادة الجيش . و ابتداء من هذه السنة و إلى يوم 5 جويلية 1830 بقي الجيش بدون قائد حقيقي .
2- عدم وضع خطة أو استراتيجية مدروسة و دقيقة لمواجهة الجيش الفرنسي ،حيث الخطة الدفاعية التي وضعها الآغا ابراهيم لإعاقة الانزال البحري للجيش الفرنسي كانت غير مجدية ، بل جاءت متأخرة عن أوانها ، لأن تحصين شاطئ سيدي فرج كان يحتاج إلى وقت طويل .
3- رفض الآغا ابراهيم اقتراح الحاج أحمد باي قسنطينة .
4- عدم إعداد الدفاعات الكافية عند ميناء سيدي فرج .
5- سوء تنظيم القوات الجزائرية التي كانت تهاجم العدو بطريقة فوضوية ، فضلا عن افتقارهم للتدريب و الانضباط .
6- اختلال ميزان القوة المادية و البشرية و التنظيمية لصالح الفرنسيين.
9- المواقف الدولية من احتلال الجزائر :
تباينت المواقف الدولية من سقوط الدولة الجزائرية بأيدي القوات الفرنسية بين مؤيد و معارض و متحفظ ، و فيما يلي سنذكر أهم هذه المواقف :
1- على المستوى الغربي :
• روسيا : أيدت روسيا الحملة بلا تحفظ و دعمته بمهندسين عسكريين .
• ألمانيا : أيدت الحملة .
• اسبانيا : تحفظت من العدوان الفرنسي على الجزائر لاعتقادها بأحقيتها في احتلال القطاع الوهراني من الجزائر ، نظرا لوجودها السابق بوهران و المرسى الكبير ، و لارتباطها باتفاقية تجارية مفيدة مع الجزائر ، و حرصها على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع بريطانيا ، لكن هذا لم يمنعها من تقديم مساعدات الى فرنسا .
• النمسا : اضطرت إلى التأييد بعدما كانت في الصف البريطاني المعارض الوحيد .
• بروسيا : أيدت الغزو و عرضت خدمات ضباطها على فرنسا .
• بريطانيا : عارضت الغزو و احتجت عليه ، لأنها رأت في ذلك تهديدا لتفوقها و مصالحها في البحر الأبيض المتوسط ، و أعلنت أنها لن تسمح بأكثر من عملية قصف لتأديب مدينة الجزائر .
• الدول الاسكندينافية و دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط : أيدت الحملة بعد المساعي الدبلوماسية المبذولة في هذا الإطار.
• الولايات المتحدة الأمريكية : أيدت الغزو بل اعتبرت أن الفرنسيين هم الذين خلصوا أمريكا من دفع الاتاوات الى الجزائر .
2- على المستوى العربي :
• تونس : كان باي تونس من المؤيدين للاحتلال انتقاما من دايات الجزائر الذين كانوا يعتبرون تونس تابعة لهم
• المغرب : التزم التحفظ و الصمت .
• طرابلس : فقد عارضت الحملة سياسيا و لم تجسد ذلك عمليا .
3- على مستوى الدولة العثمانية : لم يكن موقفها في مستوى الحدث نظرا لحالة الضعف التي كانت تعيشها بتفشي الفوضى في قواتها العسكرية و عدم مواكبتها للتطورات الحضارية الحاصلة في أوروبا ، و بالتالي اقتصر موقفها في إرسال مبعوث خاص لتبديد الخلاف بين الجزائر وفرنسا ، و لكن هاته الوساطة جاءت متأخرة ، ثم إن فرنسا لم تعرض اهتماما ، و قد كانت قواتها قد حققت انتصارا على الأرض و الميدان.
كان رد فرنسا على حادثة المروحة إرسال يوم 12 جوان 1827 قطعة من أسطولها الى الجزائر بقيادة القبطان كولي ( Collet ) ، الذي اقترح على الداي حسين قبول أحد الحلول التالية :
• أن يستقبل الباشا القبطان و رئيس أركانه و القنصل بمحضر الديوان و القناصل الأجانب و يعتذر أمامهم إلى دوفال .
• أن يرسل بعثة برئاسة وكيل الحرج ( وزير البحرية ) إلى قطعة الأسطول الفرنسي ليعتذر باسم الباشا إلى القنصل .
• أن يرفع العلم الفرنسي على جميع القلاع الجزائرية ، بما في ذلك القصبة و تطلق مائة طلقة مدفع تحية له.
و كانت تعليمات كولي تقتضي أنه في حالة قبول الباشا أحد الحلول الثلاثة يتقدم إليه بعد ذلك بعدة مطالب فرنسية تتضمن :
- دفع التعويضات .
- معاقبة الجزائريين المسؤولين عن الأضرار بالمنشآت الفرنسية .
- تسليح هذه المنشآت في المستقبل .
- اعلان الجزائر أنه لا حق لها في دين بكري.
- في حالة عدم استجابة الداي لواحد من هذه الاقتراحات المذكورة في ظرف 24 ساعة يعلن الحصار رسميا على الجزائر.
و عندما انقضى أجل الانذار بدون رد أعلنت فرنسا الحرب على الجزائر في شكل حصار بحري لميناء الجزائر يوم 16 جوان 1827 في غياب الأسطول الجزائري الذي كان في طريقه إلى اليونان لمساعدة الدولة العثمانية في معركتها البحرية المشهورة نافارين ، و كان الغرض من هذا الحصار تحقيق عدة أهداف نوجزها فيمايلي:
1- قطع التموين عن الجزائر ، و بالتالي إضعاف قوتها الاقتصادية المعتمدة على النشاط البحري .
2- إغلاق الباب أمام أي تدخل محتمل من طرف الدولة العثمانية أو الدول الأوروبية المنافسة لها من جهة.
3- إعطاء الوقت الكامل لمساعيها الدبلوماسية لإقناع الدول الأوروبية بجدوى احتلال الجزائر مدعية أن ذلك في صالح أوروبا و المسيحية عموما.
الجدير بالذكر أن طيلة السنوات الثلاثة للحصار حاولت فرنسا استئناف المفاوضات مع الجزائر ، فبعثت عدة وفود الى الداي حسين الذي أصر على عدم الاعتذار و تلبية المطالب الفرنسية . و كانت فرنسا تهدف من فتح باب التفاوض مع الجزائر إلى إلغاء الحصار بطريقة مشرفة نتيجة تكاليف الحصار الباهظة سواء من حيث تكاليف الأسطول أو من حيث الخسائر التي لحقت التجارة الفرنسية التي كانت مهددة بسبب عدم توقف القرصنة الجزائرية بصفة نهائية.
2- اعداد مشروع الحملة العسكرية على الجزائر :
شرعت فرنسا في اعداد مشروع الحملة العسكرية على الجزائر ، و في هذا الصدد تم اقتراح عدة مشاريع من طرف جنرالات و نواب منها :
• مشروع " كليمون طونير " وزير الحربية الذي قدم تقريرا إلى الملك يوم 14 أكتوبر 1827 ، يتضمن مشروعا مفصلا لعملية غزو مدينة الجزائر جاء في مقدمته " الحرب قائمة مع مدينة الجزائر ، كيف يمكن إنهاؤها بشكل مفيد و مجيد لفرنسا ؟ هذه هي المسألة التي يجب فحصها."
• الخطة التي أعدها رئيس مجلس وزراء فرنسا " بولينياك " تتمثل فيما ينبغي أن تكون عليه الجزائر بعد الانتصار عليها ، و اقترح على مجلس الوزراء حرية الاختيار بين البدائل الأربعة التالية :
أ- إبقاء الداي في حكم الجزائر على أن تشرف فرنسا عليه من الناحية العسكرية فيحدد له عدد الجيش و الأسطول الذي يستطيع الداي الاحتفاظ به .
ب- إعادة الجزائر إلى الدولة العثمانية لإنشاء حكومة منظمة فيها تضمن احترام الجزائريين للملاحة في البحر الأبيض المتوسط.
ت- أن تتقاسم فرنسا الجزائر مع الدول الأوروبية و خاصة انجلترا.
ث- أن تحتل فرنسا الجزائر بصورة دائمة و أن تستغلها اقتصاديا .
• اقتراح العودة إلى مشروع نابليون المتعلق باحتلال مدينة الجزائر و خطة الجاسوس بوتان التي أعدها عام 1808 .
و هو الاقتراح الذي أخذ بعين الاعتبار و على إثره قرر مجلس الوزراء الفرنسي يوم 31 جانفي 1830 تنظيم حملة على مدينة الجزائر تهدف إلى الثأر لشرف راية فرنسا – حسب مزاعمها –
3- الاستعداد الفرنسي للحملة العسكرية على الجزائر ( مرحلة التحضير للحملة ):
بعد أن تقررت الحملة بصفة فعلية ، عملت فرنسا على :
أ- تحضير الحملة بشريا :
• تعيين الأشخاص الذين يشرفون على التحضير للحملة أمثال : دوبري " قائدا للقوات البحرية .
• تعيين الجنرالات الذين يترأسون الفرق العسكرية للتعرف على جنودهم .
• عين وزير الحربية الكونت " دوبورمون " على رأس الحملة ، و كان تحت إمرته 17 ضابطا برتبة جنرال.
• هيئة من مترجمين بلغ عدد أفرادها حوالي 40 مترجما.
• رسامون .
• رجالات الدين.
ب- تحضير الحملة ماديا : تطلب تحضير الحملة ماديا حوالي ثلاثة أشهر من العمل ليلا نهارا ، حتى أصبح العتاد جاهزا في الأيام الأولى من شهر ماي و المتمثل في :
• 100 بارجة و 500 سفينة تجارية .
• كمية ضخمة من الملابس و من الخيام و الأغطية و أغذية شهرين .
• الأعلاف و العربات و أدوات شق الطرق و الأخشاب و الحواجز.
• كمية ضخمة من الخراطيش ( 5 ملايين خرطوشة ) و أكثر من 280 ألف كلغ من البارود .
• وسائل الاتصال و الاعلام مثل : التلغراف و المطبعة .
ت- تهيئة الرأي العام الداخلي و الدولي :
- تمكنت فرنسا من أن تحصل على موافقة اسبانيا للاستعمال موانئها و إقامة مستشفى في ماهون بالبليار يستعمل لعلاج الجرحى و المرضى .
- نجحت في ضمان حياد حسين باي تونس في حربها مع الجزائر منذ 1828 ، بل سمح هذا الباي بتسهيل تموين الحملة ان اقتضت الضرورة لذلك .
- عبر المغرب الأقصى عن امتناعه الصريح بتقديم العون للجزائر ، فقد سمح سلطانه مولاي عبد الرحمن للفرنسيين بالتزود من موانئه في حالة الضرورة كذلك .
- لم تلق فرنسا موقفا رافضا بصراحة سوى من انجلترا التي كانت تنظر إلى الحملة بعين الريبة و الشك ، إلى درجة أنها طالبت بتوضيحات خاصة بالحملة . ( رفضت قولا و ليس فعلا) .
4- انطلاق الحملة من ميناء طولون إلى سيدي فرج :
غادرت الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال وزير الحرب " دي بورمون " ميناء طولون الحربي يوم 25 ماي 1830 ، متجهة إلى الجزائر ، و قد وصلت الحملة إلى ميناء العاصمة الجزائرية في 14 جوان 1830 و نزلت بشبه جزيرة سيدي فرج وفق خطة بوتان التي أكد فيها أن تلك المنطقة هي نقطة الضعف في الدفاع الجزائري .
و في غياب خطة عسكرية دفاعية و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع الحملة من النزول إلى البر ، نجح الفرنسيون دون مقاومة تذكر و استولوا على سيدي فرج ، و انتصروا على قوات الداي في اسطاوالي أين كان معسكر القوات الجزائرية في 19 جوان 1830.
5- توقيع وثيقة الاستسلام في 5 جويلية 1830 :
في 4 جويلية 1830 سقط " برج مولاي الحسن " في يد الفرنسيين بعد أربعة أيام من المعارك ، و هو الحصن الذي يشرف على العاصمة و الوحيد الذي كان يحمي المدينة من الجهة الجنوبية و الجهات البرية بصورة عامة ، و على اثر ذلك عرض الداي التفاوض و الصلح مع « دي بورمون » ، لكن هذا الأخير رفض و أصر على استسلام الداي و تسليم العاصمة ، فعرض عليه عن طريق رسوله وثيقة تتضمن الشروط التالية :
• يسلم حصن القصبة ، و كل الحصون التابعة للجزائر ، و ميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي صبيحة يوم 5 جويلية 1830 على الساعة العاشرة.
• يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي تجاه صاحب السمو ، داي الجزائر ، بترك الحرية له ، و حيازة كل ثرواته الشخصية
• للداي حسين كامل الحرية في اختيار المكان الذي يرغب السفر إليه رفقة عائلته و أمواله ، و يكون تحت حماية القائد العام الفرنسي طوال اقامته في الجزائر ، وسيتولى حرس ضمان أمنه الشخصي و أمن أسرته.
• يتمتع الجنود الأتراك التابعين للجيش الجزائري بالحقوق المقررة في الفقرات السابقة ( أي نفس الامتيازات و نفس الحماية .)
• ستبقى ممارسة الشعائر الدينية الاسلامية حرة ، و لن يلحق أي مساس بحرية السكان من مختلف الطبقات ، و لا بدينهم ، و لا بأملاكهم ، و لا بتجارتهم و صناعتهم ، و ستكون نساؤهم محل احترام و يتعهد القائد العام الفرنسي بذلك عهد شرف.
• سيتم تبادل هذه المعاهدة قبل الساعة العاشرة ، و سيدخل الجيوش الفرنسية عقب ذلك حالا إلى القصبة ، ثم تدخل بالتتابع كل الحصون المدينة البحرية .
و اضطر الداي إلى قبول الشروط الفرنسية السالفة الذكر ، و وقع على وثيقة الاستسلام يوم 5 جويلية 1830 .
6- سقوط العاصمة و بداية الاحتلال :
بعد التوقيع على وثيقة الاستسلام دخل الجنود الفرنسيين مدينة الجزائر من الباب الجديد في يوم 06 جويلية 1830 و أنزلت أعلام دولة الداي من جميع القلاع و الأبراج و ارتفعت في مكانها رايات الاحتلال الفرنسي ، و أقيمت صلاة للمسيحيين.
و في يوم 10 جويلية رحل الداي عن مدينة الجزائر و توجه إلى نابولي بإيطاليا ، ثم التحق بفرنسا ، و أخيرا توجه إلى الاسكندرية حيث أقام بها حتى وفاته و دفنه بها سنة 1834 .
7- مرحلة توسع الاحتلال الفرنسي في مختلف المناطق الجزائرية :
بعد سقوط مدينة الجزائر خرج دي بورمون يوم 23 جويلية 1830 في حملة عسكرية لتوسيع رقعة الاحتلال بالداخل لكنه فشل في ذلك بفضل المقاومة الشعبية للجزائريين .
ليستخلفه " كلوزال " الذي عين يوم 13 أوت 1830 كأول جنرال حاكما عاما للجزائر ، فقام بإعادة تنظيم الجيش الفرنسي بعد هزائمه في مختلف مناطق الجزائر . و بفعل ذلك تمكن من دخول مدينة البليدة في 18 نوفمبر 1830 ، و في 22 نوفمبر من نفس السنة تم احتلال المدية.
و في 16 ديسمبر 1830 نجحت القوات الفرنسية في الاستيلاء على وهران ، و في عام 1833 استولت فرنسا على أرزيو و مستغانم و بعض المناطق المجاورة لهما .
و خلال فترة 1833 – 1834 ظلت فرنسا محاصرة في العاصمة ، حيث لم يقم العدو بغزوات جديدة إلا على المدن البحرية .
الجدير بالذكر أن المستعمر الفرنسي لم يتمكن من احتلال كامل التراب الوطني إلا بعد حوالي أربعين سنة ( 40 سنة ) من الكفاح ( 1830-1870) .
8- أسباب الهزيمة :
1- إعدام الداي حسين قائد جيشه " يحي آغا " في سنة 1827 و استبداله بصهره ابراهيم آغا الذي لا يفهم شيئا في فن الحرب أو قيادة الجيش . و ابتداء من هذه السنة و إلى يوم 5 جويلية 1830 بقي الجيش بدون قائد حقيقي .
2- عدم وضع خطة أو استراتيجية مدروسة و دقيقة لمواجهة الجيش الفرنسي ،حيث الخطة الدفاعية التي وضعها الآغا ابراهيم لإعاقة الانزال البحري للجيش الفرنسي كانت غير مجدية ، بل جاءت متأخرة عن أوانها ، لأن تحصين شاطئ سيدي فرج كان يحتاج إلى وقت طويل .
3- رفض الآغا ابراهيم اقتراح الحاج أحمد باي قسنطينة .
4- عدم إعداد الدفاعات الكافية عند ميناء سيدي فرج .
5- سوء تنظيم القوات الجزائرية التي كانت تهاجم العدو بطريقة فوضوية ، فضلا عن افتقارهم للتدريب و الانضباط .
6- اختلال ميزان القوة المادية و البشرية و التنظيمية لصالح الفرنسيين.
9- المواقف الدولية من احتلال الجزائر :
تباينت المواقف الدولية من سقوط الدولة الجزائرية بأيدي القوات الفرنسية بين مؤيد و معارض و متحفظ ، و فيما يلي سنذكر أهم هذه المواقف :
1- على المستوى الغربي :
• روسيا : أيدت روسيا الحملة بلا تحفظ و دعمته بمهندسين عسكريين .
• ألمانيا : أيدت الحملة .
• اسبانيا : تحفظت من العدوان الفرنسي على الجزائر لاعتقادها بأحقيتها في احتلال القطاع الوهراني من الجزائر ، نظرا لوجودها السابق بوهران و المرسى الكبير ، و لارتباطها باتفاقية تجارية مفيدة مع الجزائر ، و حرصها على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع بريطانيا ، لكن هذا لم يمنعها من تقديم مساعدات الى فرنسا .
• النمسا : اضطرت إلى التأييد بعدما كانت في الصف البريطاني المعارض الوحيد .
• بروسيا : أيدت الغزو و عرضت خدمات ضباطها على فرنسا .
• بريطانيا : عارضت الغزو و احتجت عليه ، لأنها رأت في ذلك تهديدا لتفوقها و مصالحها في البحر الأبيض المتوسط ، و أعلنت أنها لن تسمح بأكثر من عملية قصف لتأديب مدينة الجزائر .
• الدول الاسكندينافية و دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط : أيدت الحملة بعد المساعي الدبلوماسية المبذولة في هذا الإطار.
• الولايات المتحدة الأمريكية : أيدت الغزو بل اعتبرت أن الفرنسيين هم الذين خلصوا أمريكا من دفع الاتاوات الى الجزائر .
2- على المستوى العربي :
• تونس : كان باي تونس من المؤيدين للاحتلال انتقاما من دايات الجزائر الذين كانوا يعتبرون تونس تابعة لهم
• المغرب : التزم التحفظ و الصمت .
• طرابلس : فقد عارضت الحملة سياسيا و لم تجسد ذلك عمليا .
3- على مستوى الدولة العثمانية : لم يكن موقفها في مستوى الحدث نظرا لحالة الضعف التي كانت تعيشها بتفشي الفوضى في قواتها العسكرية و عدم مواكبتها للتطورات الحضارية الحاصلة في أوروبا ، و بالتالي اقتصر موقفها في إرسال مبعوث خاص لتبديد الخلاف بين الجزائر وفرنسا ، و لكن هاته الوساطة جاءت متأخرة ، ثم إن فرنسا لم تعرض اهتماما ، و قد كانت قواتها قد حققت انتصارا على الأرض و الميدان.
التعليقات على الموضوع