بحث في مأساة الحلاج
نايف سلوم
مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور مسرحية شعرية من جزأين : الجزء الأول ؛ الكلمة في ثلاثة مناظر ، والجزء الثاني ؛ الموت في منظرين .
والكلمة فارماكون : أي سم وترياق في نفس الوقت ، وهي حياة وموت . إن إفشاء سر الكلمة قاد الحلاج إلى الموت وترك للأغيار حق التصرف في دمه. إن النقص في مناظر الجزء الثاني ذو دلالة، فهو يشير إلى أن كمال الجزء الأول هو علامة نقص . بكلام آخر، إن كمال العلم بحاجة إلى تكملة عملية. وعلى قول الشاعر ابن الرندي: لكل شيء إذا ما تم نقصان ..
تبدا المسرحية الشعرية من المحاكمة الأخيرة للحلاج سنة 309 هـ ، بالتالي يعتمد الشاعر أسلوب الخطف خلفاً في بناء القصّة. التاريخ والأشخاص مذكورون بوثائق تاريخية ، من هنا تدخل المسرحية في التصنيف ضمن ما يسمى بالمسرح التاريخي أو الوثائقي. فالشبلي وابن سريج وأبن عمر وإبراهيم بن فاتك شخصيات تاريخية فعلية غير متخيلة.
يقول الشاعر في الملاحظات الإخراجية للمنظر الأول من الجزء الأول: "الساحة في بغداد، في عمق المشهد الأيمن جذع شجرة يتعامد عليه فرع قصير منها . لا يوحي المشهد بالصليب التقليدي" . هذا القول يريد أن يلمح إلى التشابه بين قصة الحلاج وقصة المسيح عيسى ابن مريم، لكنه يحذرنا من أن الحلاج ليس في منزلة المسيح عيسى . فعيسى المسيح مكوّن كون جديد ومؤسس زمن جديد وعهد جديد أتممه محمد النبي الرسول، بينما الحلاج يكافح كي يعيد إصلاح الكون المحمدي المكَّون من قبل. هو فرع من جذع شجرة فحسب. لذلك مطلوب منه إصلاح الزمن لا تأسيس زمن جديد . من هنا يدخل عيسى المسيح في "النسب الإلهي" (ثيوغوني) بينما يدخل الحلاج في "النسب المأساوي/ البطولي" الذي تتلخص مهمته في تجديد العهد المحمدي وإصلاح الكون المؤسَّس من قبل على ذلك العهد بعد أن نكثه الحكام و أفسدوا أمره.
ثلاثة مناظر للكلمة وهذا الكمال نقص . ومنظران للموت وهذا النقص كمال فعل . ففي هذا الموت يدين الحلاج قاتليه الذين ينفذون مشيئته ، ففي موته تحقيق توحيده . وكما أدى افشاءه لسر الكلمة إلى إعدامه وموته ، فقد كشف موته سر السلطة وفسادها ونكثها للعهد المحمدي الذي تدّعي الحفاظ عليه . لقد ظهرت على أنها سلطة ظالمة فاسدة أفقرت العباد ودفعتهم للبؤس والحضيض، بدل صيانة كرامتهم ومعاشهم. فهو يدين قاتليه ويكشف موته وإعدامه سر فساد تدين الجمهور من الغوغاء المضلّلة . فمن دون موته لا يكتمل توحيده لأن وحي الحق جاءه في "الزمن المعوجّ" أو الزمن المعتلّ. فموته وإعدامه حوّل كفره الظاهر إلى إيمان وشهادة .
الكلمة ؛ كلمة الحق قاتلة لأن إفشاء سرها في الزمن المعتلّ او الزمن "خارج الوصل" حسب عبارة شكسبير في مسرحية هاملت قاتلة ؛ فمن المفارقة أن إفشاء سر الإيمان في الزمن المعوجّ يظهر على شكل كفر . يقول الحلاج من الطويل:
كفرت بدين الله والكفر واجب علي وعند المسلمين قبيحُ (الأعمال الكاملة ، ص 297 )
كما أنه يفشي في هذا فساد الحكام وفساد إيمان عامّة المسلمين المضللة بتعاليم الحكام وشرعييهم وقضاتهم . فالناس في زمن كهذا على " دين" حكامها .
إن مجموع مناظر المسرحية الشعرية خمسة ، وهي إشارة إلى أدنى تجلٍ للإلهي في الناس . كما تشير إلى جور الحكام وظلمهم وقسوتهم ، ما يجعل الأرض منقوعة بالدم . وهذا هو زمن الإمام محمد الباقر الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر. يقول الشاعر الروماني أوفيد في ديوانه الخالد "التحولات" بترجمة أدونيس: "هزمت التقوى ، وهجرت هذه الأرض المنقوعة بالدم ، العذراء أستريا (العدالة) آخر الضيوف السماويين"(التحولات ص 18 )
إن ثلاثة مناظر هي مشهد كامل حسب قياس أرسطو الشهير: كل إنسان فان، سقراط إنسان، سقراط فان (مقدمتان كبرى وصغرى ونتيجة) الحقيقة في النتيجة ، إن فناء سقراط هو حدث تاريخي في زمان ومكان محددين، بالتالي هو الحقيقة لأن الحقيقة تاريخية. وهذا يقودنا إلى كلام الشاعر صلاح عبد الصبور في مقمة ديوانه: "حين قال سقراط اعرف نفسك تحول مسار الإنسانية ، إذ سعى هذا الفيلسوف إلى تفتيت الذرة الكونية الكبرى المسماة بالإنسان. والتي يتكون من تناغم آحادها ما نسميه بالمجتمع ، ومن حركتها ما نطلق عليه التاريخ ، ومن لحظات آلامها ونشوتها ما نعرفه بالفن.. كان الفلاسفة قبل سقراط يمدون أعينهم ما وراء حدود الواقع ، متجاوزين هذا الواقع في إصرار أعمى . فهم يبحثون عن العنصر الأول أو العناصر الأولى في خلق الكون ، فيزعم احدهم أنه الماء ويصرخ آخر أنه النار. ثم يهتدون إلى نظرية العناصر الأربعة لتصبح محط تلخيصهم الساذج. ثم تتقهقر هذه النظرية على مدى التاريخ من واجهة الفلسفة لتثوي في كتب التنجيم وكشف الطوالع.. ولكن سقراط لا ينظر في الكون والطبيعة ، وهو كذلك لا يمد بصره إلى ورائها . فالإنسان هو الذي يعنيه . وهو حين يقول : اعرف نفسك ، يعني ان تعرف الجذور التي تنتمي إليها ، وهي جذور المجتمع التاريخي(البشرية) الممتدة في ذاتك المفردة "(مقدمة الديوان، ص 5-6 )
هذا التأكيد على أولوية الإنسان نجده في القرآن الكريم في قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) [البقرة: 34 ] ونجده عند ماركس، حيث يكتب: "أن تكون جذرياً، هو أن تأخذ الأشياء من جذرها . إذن فبالنسبة للإنسان ، فالجذر هو الإنسان ذاته "(ماركس: مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيغل- نقلاً عن جورج لوكاش تحت عنوان : التشيؤ والوعي البروليتاري. من كتاب التاريخ والوعي الطبقي ص 79 )
هذا هو السر في تأكيد الشاعر على البعد الاجتماعي لمأساة الحلاج . حيث جاءت مأساته أو بطولته لإصلاح ما فسد من الكون المحمدي على يد الحكام ، جاء ليصحح اعتلال الزمن . فجاء موته ليكمل توحيده ويظهر إيمانه. يقول من مجزوء الرمل:
اقتلوني يا ثقاتي إن في موتي حياتي (الاعمال الكاملة ، ص 294 )
إن الله يحضر كأشخاص في فعل التغيير الاجتماعي –التاريخي بواسطة الإنسان؛ بواسطة أفرد البشر ممن شخصوا بالحقيقة الإلهية . إن الله يظهر بهؤلاء وفي شروط مواتية متضافرة. بحيث يشخص هؤلاء عبر معرفة حقيقة الشرط الاجتماعي- التاريخي . وفي الحديث أن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " إشارة إلى أنّ كدر نفس الإنسان يبعدها عن الله ، وصفاءها واستواءها يقرّبها منه ويرفعها به.
تظهر البنية الاجتماعية التاريخية في عمل عبد الصبور ثلاثية الأبعاد، والثلاثة كون لا يعي ذاته، كون "جاهل" ينقصه الوعي بذاته، كون يجهل نفسه . فهو وحدة عمياء لا بصيرة لها ضالة. تتكون هذه الوحدة من تاجر، وفلاح ، وواعظ لا يعرف أين حطّه ربّه.
تضيء مقدمة المسرح اليمنى للإشارة إلى عزم الأمور وقسوة التاريخ ، حيث نجد مجموعة من الناس في مقدمتهم مقدّمهم"
"الواعظ يسأل مقدّم المجموعة: هل تعرف من قتله ؟
المجموعة: نحن القتلة
مقدم المجموعة: انظر إني أعمى اتسول في طرقات الكرخ
التاجر: هل فيكم جلاّد؟
المجموعة: لا.. لا .. قتلناه ليس بأيدينا ، بل بالكلمات
المجموعة: صفوّنا صفاً صفا
بعد أن أعطوا كل منا ديناراً من ذهب قاني
لم تلمسه كفّ من قبل
قالوا: صيحوا زنديق .. كافر
صحنا زنديق.. كافر
قالو: صيحوا فيلقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا
فليقتل إنّا نحمل دمه في رقبتنا
قالوا: امضوا فمضينا "
لقد قتلوه لفقرهم وجهلهم ولقد تمّت رشوتهم وتضليلهم من قبل حكامهم.
نلاحظ أن المجموعة من العامة التي قتلت الحلاج بالكلمة (بالفقر والجهل) هم أصحاب جهة اليمين في المسرح على سبيل السخرية المرّة، هم القتلة الفعليون(كوميديا سوداء). أمّا مجموعة الصوفية فليس لها مكان أو جهة محددة على الخشبة وهذا يشير إلى بلبلة في صفوف هذه المجموعة تجاه إعدام شيخهم وبابهم، هم يجهلون حقيقته (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن) [النجم: 28 ]. كما يشير إلى أن العوامّ هم من ينفّذ عزم الاجتماعي- التاريخي (عزم الأمور) وقسوتها . لقد قتلوه فجازوه جزاءً مرموزاً . ولكنهم لم يقتلوه كلمة ويقيناً ولكن شُبّه لهم. يقول الحلاج في طاسين الأَزْل والالتباس: "في صحة الدعاوي بعكس المعاني" ، فالأشياء تعرف بأضدادها .. والملك يعرض المحاسن ويقول للمحسن: إن فعلتها جزيت مرموزاً"
"يضيء جانب آخر من المسرح ، وتبدو منه مجموعة من الصوفية"
مجموعة الصوفية: نحن القتلة .. أحببناه فقتلناه
الواعظ: لا نَلقى اليوم سوى القتلة !
مجموعة الصوفية: أحببنا كلماته أكثر مما أحببناه
فتركناه يموت كي تبقى الكلمات
لقد أحبوه على الحقيقة لا على الشخص . لم يستطع بفعل "اعتلال الزمن" أن يعينهم على تغيير حياتهم وفقرهم ، ولا أن يخلصهم من الظلم والجور. إياك نعبد من دون إياك نستعين.
عندما تسأل المجموعة عن تعريف نفسها على لسان التاجر: من أنتم؟
المجموعة: أصحاب طريق مثله
ولم تقل أصحاب طريقة هي طريقته . وهذا يعني أنها متشبهة به وليست هي هو : "وأَلّو استقاموا على الطريقة لسقيانهم ماء غدقاً "[الجن: 16 ] أي أنْ لو استقاموا لأسقيناهم كثير من الخير والنعمة. غدق: تدل على غُزر و كُثر ونعمة " (م4/ 415 )
مقدم المجموعة: كان يريد أن يموت ، كان يقول : كأن من يقتلني محقق مشيئتي ومنفذ إرادة الرحمن (اقتلوني ياثقاتي إن في قتلي حياتي).
إن من يقتلني سيدخل الجنان لأنه بسيفه أتم الدورة.
لأنه أغاث بالدما غذّ نخس الوريد .
شجيرة جديبة زرعتها بلفظي العقيم .
فدبت الحياة فيها طالت الأغصان .
مثمرة تكون في مجاعة الزمان ، خضراء تعطي دون موعد بلا أوان"
وهنا يكثر الشاعر الاستعارة من الشجرة وأجزائها، وهي استعارة نباتية أصيلة في القصص القراني (فلما آتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنّي أنا الله رب العالمين).[القصص: 30 ]
المجموعة: لايخشى الموت سوى الموتى ..
مقدم المجموعة : لا تبغي الفهم .. اشعر وأحس .. لا تبغي العلم تعرّف .. لا تبغي النظر تبصّر (العرفان أعلى من العلم فهو يجمع العقل والقلب ، العلم والإيمان. العلم وتكملته بالعمل.)
المجموعة: قل لي ماذا كانت تصبح كلماته لو لم يستشهد؟
يعتمد الشاعر التوثيق التاريخي للأشخاص في مسرحيته كالشبلي وابن سريج وأبو عمر وغيرهم ليشير إلى الطابع التاريخي لمسرحيته ، وليركز على الجانب الاجتماعي والنضالي لموت الحلاج وإعدامه.
الواعظ: هذا الشبلي .. شيخ الزهاد
كان له إقطاع في قريتنا
وتخلّى عنه لكي يمضي في طرق الصوفية
فلننظر ماذا يفعل
الشبلي: يا صاحبي وحبيبي
"أولم ننهك (يتكلم باسم مجموعة الصوفية) عن العالمين" فما انتهيت
قد كنت عطراً نائماً في وردته ، لمَ انسكبت؟ وردة مكنونة في بحرها لمَ انكشفت؟
هذا الكشف للسر سر الكلمة الإلهية ، أو سر التاريخي- الاجتماعي وأصله قاده إلى الإعدام والموت .
قال الشبلي: (وهو يلقي إليه وردة حمراء) لو كان لي بعض يقينك لكنت منصوباً إلى يمينك
في المنظر الثاني من الجزء الأول يسأل الحلاج الشبلي قائلاً: أأنا أرمد؟
الشبلي : لا ياحلاج ، بل حدّقت إلى الشمس ، وطريقتنا أن تنظر للنور الباطنيّ
بهذا يريد الشبلي القول للحلاج: حدقت في الشمس، وهو كناية عن إفشاء السر، فاحترقت عيناك من شدة الشعاع وقادك هذا التحديق إلى إعدامك. وعندما تم استجوابي حول كلمتك قلت لفظاً غامضاً . أنا الذي قتلتك ، أنا الذي قتلتك.
الحلاج : (كونك تلفظت بغموض مما ساعدهم في قتلي) : إني اشرح لك :
لم يختار الرحمن شخوصاً من خلقه
إلا ليفرّق فيهم أقباساً من نوره
هذا ليكونوا ميزان الكون المعتلّ، ويفيضوا نور الله على فقراء القلب
وكما لا ينقص نور الله إذا فاض على أهل النعمة
لا ينقص نور الموهوبين إذا فاض على الفقراء
الشبلي: لا يا حلاج، إني اخشى ان أهبط للناس
يعتمد الشاعر هنا فكرة الفيض الإلهي الأفلوطينية (نسبة إلى افلوطين 205-270 م ) أبرز ممثلي الأفلاطونية المحدثة ، يعرف في المصادر العربية "بالشيخ اليوناني")
الشبلي وقد رأى الحلاج قد هبط إلى الناس وانخرط في الصراع الاجتماعي التاريخي، وحكم عليه الحكام الفاسدين بالإعدام ، وحتى يحرم من البطولة أمام الجمهور اتهمه القضاة ، أدوات الحكام، بالكفر . وقد ساهمت عبارة الشبلي الغامضة التي هدف من ورائها إنقاذ نفسه في تسهيل مهمة القضاة.
الحلاج: هبنا جانبنا الدنيا ، ماذا نصنع عندئذٍ بالشر؟
الشبلي : ماذا تعني بالشر؟
الحلاج: فقر الفقراء، جوع الجوعى
في اعينهم تتوهج ألفاظ لا أوقن معناها
أحياناً أقرأ فيه: ها أنت تراني ، لكن تخشى أن تبصرني
لعن الدّيان نفاقك
أحياناً أقرأ فيه: في عينيك يذوي إشفاق ، تخشى أن يفضح زهوك
ليسامحك الرحمن
قد تدمع عيني حينئذ قد أتألم
أما ما يملأ قلبي خوفاً ، يضني روحي فزع وندامة
فهي العين المرخاة الهدب فوق استفهام جارح
"أين الله"؟
هذا القول يبوح بسر المنظر:
التاجر: انظر ماذا وضعوا في سكتنا
الفلاح: شيخ مصلوب
الواعظ: يبدو كالغارق في النوم
التاجر: عيناه تنسكبان على صدره
الواعظ: وكأن ثقلت دنياه على جفنيه ، أو غلبته الأيام على أمره
التاجر: فحنا الجذع المجهود ، وحدق في الترب
الواعظ: ليفتش في موطئ قدميه عن قبره
العين المرخاة الهدب فوق استفهام جارح تصرخ: اين الله؟
إن الله لايهبط على ناس تركوا انقيادهم لإبليس وزير ملك القحط . هذا ما يعنيه أوفيد بالقول: هزمت التقوى، وهجرت هذه الأرض المنقوعة بالدم العذراء أستريا(العدالة) آخر الضيوف الإلهيين"
وأقول مع الحديث: لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ويعملون بوصية سقراط: اعرف نفسك تعرف الله! فمن عرف قدر نفسه عرف ربّه
الشبلي: هل تسألني من ذا صنع الفقر؟ من ألقى في عين الفقراء؟
كلمات تفزع من معناها ، وإليك جواب سؤالك: الظلم..
هل تسالني من ذا صنع القيد الملعون، وأنبت سوطاً في كفّ الشرطي
وإليك جواب سؤالك: الظلم
هل تسألني من ذا صنع الاستعباد؟ الظلم..
ظلم: أصلان؛ أحدهما خلاف الضياء والنور(الظلمة)، والآخر : وضع الشيء غير موضعه تعدياً (التعدّي والطغيان)" (مم 3 ص 468 )
الشبلي: لكني القي في وجهك سؤال مثل سؤالك
من صنع الموت ؟
من ألقانا بعد الصفو النوراني في هذا الماخور الطافح
من.. من ..؟
الحلاج: لا أجرؤ..
أتريد تقول .. لا..لا .. لتملأ نفسي شكاً يا شبلي
الشبلي: بل إني املأها علماً ويقيناً يا حلاج
الشر قديم في الكون .. كي يعرف ربي من ينجو ممن يتردى
هذا الرأي للشبلي يشير إلى عدم تضافر الشروط لمواجهة الشر الراهن ، بالتالي الزمن زمن الحلاج معتلٌّ وخارجٌ عن الوصل ، ولا يمكن للشبلي أوغيره أن يفهم موقف الحلاج العصيّ على الفهم ، كما هو حال المسيح حين هبط إلى العالم يدافع عن المظلومين والفقراء وهم قتلته .
يأتي رد الحلاج على الشبلي حين يدخل إبراهيم بن فاتك ، شاب من اهل الله ، هل تعرفه يا شبلي؟
الشبلي: وأحبه
(يدخل إبراهيم منزعج الخاطر مسرعا)
الحلاج (وفيه رد على الشبلي): ماذا تطوي في قلبك حتى فاض على سيماك
هدِّء من روعك، فالدنيا عند الشبلي في خير ما دمنا (أنا وأنت) في خير
وفي إشارة إلى هبوط الحلاج إلى العالم وتركيز المسرحية على الجانب الاجتماعي السياسي لعمل الحلاج يقول إبراهيم: كنت قد أزور اليوم القاضي ابن سريج، نبأني أن ولاة الأمر يظنون بك السوء.
ويقولون: هذا رجل يلغو في أمر الحكام ، ويؤلب احقاد العامة، ورجاني أن أنبيك رجاءه بالحيطة والكتمان.
الحلاج: ماذا نقموا مني ؟ أترى نقموا مني أنّي أتحدث في خلصائي وأقول لهم : إن الوالي قلب الأمة، هل تصلح إلا بصلاحه. فإذا وليتم لا تنسوا أن تضعوا خمر السلطة في اكواب العدل؟
أترى نقموا منّي تدبيري رأيي في امر الناس ، إذ أشهدهم يمشون إلى الموت.
إبراهيم: زعموا أن قد أرسلت رسائل سرية لأبي بكر الماذرائي ، والطولوني ولحمد القنائي، وسواهم ممن يطمح للسلطة
الحلاج: هم بعض وجوه الأمة
وهمو أيضاً خلصائي، أحبائي وعدوني إن ملكوا الأمر أن تحلوا سيرتهم ويعفوا عن سقط الفعل ، أن يعطوا الناس حقوق الناس على الحكام فنجاوبهم بحقوق الحكام على الناس. هم زهرة آمالي في هذا العالم يا إبراهيم.
لم يفهم إبراهيم شيخه ، يقول: ورجعت لتلقى الحمق يسود بكل مكان يتحرّش بك
الحلاج: لكن أصحابي أكثر من أعدائي
إبراهيم: لا ابصر مخلوقاً منهم يا مولاي إلا شيخي الشبلي وأنا. وكلانا مسكين يتحسس خطوه"
لقد حُجبت حقيقة الحلاج وتضحيته واستشهاده بأنية إبراهيم (قال: أنا وأنت والشبلي لاغير. وهذه الكلمة ؛( لاغير) قالها إبليس)
الحلاج يرى أنصاره في كلمته وفي آلاف المظلومين المنكسرين، وفي آيات القرآن وأحرفه، وفي كلمات المهجور المحزون على جبل الزيتون (هنا عيسى المسيح مولى الحلاج وشيخه، فهو يسير على درب آلامه)
وتستمر أنية إبراهيم تحجب عنه حقيقة الحلاج شيخه ومولاه
إبراهيم: يا مولاي ، في عصر ملتاث(معوجّ) ، قاس ، وضنين
لن يصنع ربي خارقة أو معجزة ، كي ينقذ جيلاً من هلْكا ، قد ماتوا قبل الموت.
سيقال لعيسى ابن مريم: (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء) [النمل: 80 ]
الحلاج: يا ولدي، كم أخطأت الفهم! لا أطلب من ربي أن يصنع معجزة، بل أن يعطيني جلداً ، كي ادرك اصحابي عنده.
إبراهيم: هل تأذن لي ان أذهب على الماذرائي استرشده فيما نفعل؟
الحلاج : بل اسأل قلبك! فقلب المؤمن دليله ودلّاله.
(يخرج إبراهيم)
الشبلي: رجل طيب.. ويحبك.
الحلاج: يقصيه هذا عني، احياناً يخطئ سبل الحب، ويحب الله بشخصي
الشبلي: ماذا تعني؟
الحلاج: لو أحببني في الله بدلاً من حب إلهي فيَّ
لم يفزع ، لم ينصحني بالهجرة إلى خراسان.
في هذا القول دحض لدعوى مذهب الحلول عند الحلاج ، فالحلاج صبغته صبغة الله ، وقفت أنيته بينه وبين الحق فترك للأغيار حق التصرف بدمه وقتله . (صبغة الله، ومن أحسن منه صبغة ونحن له عابدون)[البقرة : 138] حلّ: أصلها : فتح الشيء .. وحلّ نزل. قال قوم: من مُحلٍ ومُحرم: من محلٍ يرى دمي حلالاً ومحرم يراه حراماً. إن حلولية الحلاج أنّه أحلّ دمه لتصرف الأغيار.
يقول في الديوان: بيني وبينك إنيّ ينازعني فارفع بإنّك إنّيي من البين (325 الأعمال)
لم يبق سوى هذا الإني أو الإنية حتى يفنى في الحق. وعن الخرقة : اخلعها ياشيخ إن كانت ستراً منسوجاً من أنيتنا كي يحجبنا عن أعين الناس ، فنحجب عن عين الله.
يستخدم الحلاج الأني والإنية على صيغة المذكر لأن الإنية موقع الأمر في النفس فتنتصب حالاً وتذكّر.
الشبلي: قل يا حلاج ، هل ما اشتقت إلى الحج؟
الحلاج: الحج ، هل أوقد قلبي ناراً إلا الحج؟
في الحج أقول: الحج قصد الحق ، الرجوع إلى الحق . القصد إلى البيت الحرام للنسك، يقول:
للناس حجٌ ولي حجٌ إلى سكني تُهدى الاضاحي وأُهدي مهجتي ودمي (الاعمال 322 ) ساخوض في طرق الله ربانياً حتى أفنى فيه .. أرغب أن أنزل للناس ، وأحدثهم عن رغبة ربي"
مثل الحلاج على درب عيسى ابن مريم ، لم يأكل الحواريون من المائدة التي طلبوا منه تنزيلها لكن اكل منها عامة الفقراء والمرضى والمحزونين، ولم يأكل منها اليهود. "فلما نزلت مائدة عيسى على اليهود قالوا يا روح الله كن أول من يأكل منها ، ثم نأكل منها نحن. فقال عيسى معاذ الله أن آكل منها ، ولكن يأكل منها من يسألها. فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها عيسى اهل الفاقة والزمن والمرضى والمبتلين . فقال: كلوا منها جميعاً ، ولكم الهنا ولغيركم البلاء" (كتاب المائدة ص42 ).
الحلاج: إليّ.. إلي يا غرباء .. يا فقراء يا مرضى .. كسيري القلب والأعضاء ، قد أُنزلت مائدتي إلي إليّ
الفلاح: شيخ مجذوب . والحلاج شيخ صارخ في البرية ولا من يسمع
ولكن ، اين الله؟!
صوت الحلاج يرتفع: فإن تصفو قلوب الناس ، تأنس نظرة الرحمن إلى مرآتنا ، ويديم نظرته فتحيينا. وإن تُكدّر قلوب الناس يصرف وجهه عنا ، ويهجرنا ويجفونا كما هجرت أستريا (العدالة) آخر الضيوف السماويين الأرض المنقوعة بالدم . يقود خطانا إبليس وهو وزير ملك القحط . وليس القتل والتدجيل والسرق ، ولبس خيانة الأصحاب والملق ، وليس البطش والعدوان والخرق سوى بعض رعايا القحط"
شرطي: هيا يا كافر
أحد الصوفية: لا يا قوم ، هذا سكر الصوفي، فاض القلب فعربد، غلب الوجد القصد !
الشرطي : هذا لغو أجوف. فلنحم الدين من الكفرة
صوفي: لكن هل أخذوه من أجل حديث الحب، لا بل من أجل حديث القحط
ما يزال تركيز الشاعر على البعد الاجتماعي السياسي لعمل الحلاج واستشهاده، بالرغم من اختلاطه بالعرفان الصوفي.
الحلاج: لا يا اصحابي لا تلقوا بالاً لي ، أستودعكم كلماتي.. دعوني حتى تنفذ في بدني لتؤدّبني .. هذا حقّ يا ولدي ، فلقد اجرمت بحقّه ، إذ افشيت السر..
الحلاج: عاقبني يا محبوبي إنّي خنت العهد ، لا تغفر لي ، فلقد ضاق القلب عن الوجد (الوحي في الزمن خارج الوصل، في الزمن المعتل المتقطع الأوصال)
لكن عاقبني كعقاب الخصم خصيمه ، لا كعقاب المحبوب حبيبه . لا تهجرني ، لا تصرف عني وجهك ، لا تقتل روحي بدلالك، اجعل بدني الناحل أو جلدي المتغضن أدوات عقابك.
من اتهمه بالكفر فقد جازاه مرموزاً ، ومن نعته بإبليس فقد جازاه كذلك.
الحارس: ادخل يا أعدى أعداء الله
الحلاج: فليسامحك الله ، فقد أعطيت الحلاج المسكين اعلى من قدره
السجين الأول: هل تبحث في اسرار الكون؟
الحلاج: بل اشهدها احياناً
السجين الأول: مجذوب أنت؟
الحلاج: دوماً نحو النور
السجين الأول: هل أنت ولي؟
الحلاج: لا بل مولى
الحارس: أنت شيطان، بل أنت ملاك .. جبريل
(الحارس يتهاوى بجانبه ويبكي): ايّن كنت ، اغفر لي
الحلاج: بل اشكره أن انصف حالي في الحب ، إذ عاقبني في بدني
يارب: لو لم أسجن، اضرب وأعذب
كيف يقيني عندئذٍ أنك ترعى عهد الحب
لكن الان تيقنت يقين القلب
إن مهمة الحلاج تحرير الأرواح لا تخليص الأجساد ، مهمته أخلاقية في إصلاح تديّن الناس بعد أن فسدت قلوبهم، لا الاتيان بدين جديد. يقول في رده على السجين الثاني حين سؤاله عن التهمة؟:
الحلاج: إني أتطلع أن أحيي الموتى
السجين الثاني : "ساخراً" أمسيح ثان أنت!
الحلاج: لا لم ادرك شأو ابن العذراء
لم أعط تصرفه في الأجساد
أو قدرته في بعث الأشلاء
فقنعت بإحياء الأرواح الموتى
السجين الثاني: "ساخراً" ما اهون ما تقنع به!
الحلاج: لم تفهم عني يا ولدي، فلكي تحيي جسداً ، خذ رتبة عيسى او معجزته
أما كي تحيي الروح ، فيكفي ان تملك كلماته (وتسلك دربه وطريقته)
نبئني .. كم احيا عيسى أرواحاً قبل المعجزة المشهودة ؟
آلاف الأرواح، ولكن العميان الموتى لم يقتنعوا ، فحباه الله بسر الخلق
هبة لا اطمع أن تتكرر
يريد الحلاج القول: عيسى مؤسس كون جديد وعهد جديد وأنا على دربه وهدي كلماته .
إن اثر الفلسفة اليونانية في النص الشعري واضحة وصريحة، يقول الشاعرعلى لسان السجين الثاني: الجوهر والذات والماهيات والاستقصات والقاتيغوريات (المقولات) يوناني لا يفهم .
لهذه الكلمات مهمة جليلة ، فهي تشير إلى الاختلاف بين العلم والمعرفة . الأول علم بلا قلب والثانية علم مع إيمان وقلب ويقين، علم وعمل.
في النص تناص من عنترة :
الحلاج: ما أجدى ما يطعن من طعن عن الطعن(جناس)
فتبلد وتحمحم ، كحصان ابن زبيبة عنتر
"فازور من وقع القنى بلبانه وشكى إلي بعبرة وتحمحم "
الحلاج للقضاة: لستم بقضاتي ، ولذا لن أدفع عن نفسي
أفنيت نفسي فيه
أبن عمر: صمتاً ، هذا كفر!
ابن سريج: بل هذا حال من أحوال الصوفية
لا يدخل في تقدير محاكمنا ، أمر بين العبد وربه
لنسائله عن تهمة تحريض العامة
فلهذا اوقفه السلطان هنا
هل افسدت العامة يا حلاج؟
الحلاج: لا يفسد أمر العامة إلا السلطان الفاسد، يستعبدهم ويجوعهم
ابن سليمان: يعني هل كنت تحضّ على عصيان الحكام؟
الحلاج: بل كنت احضّ على طاعة ربّ الحكام، برأ الله الدنيا أحكاماً ونظاماً، فلماذا اضطربت واختل الأحكام ؟ خلق الإنسان على صورته في أحسن تقويم ، فلماذا رد إلى درك الأنعام؟
أبن عمر: هل تزعم أنك صوفيّ..؟
الحلاج: الله يصنفني حيث يشاء
أبن عمر: هل تزعم أنك فارقت الدنيا وشواغلها؟
الحلاج: ها أنا ذا في الدنيا يا سيد أشغل نفسي بالرد على اسئلتك
أبن عمر: هل أرسلت رسائل لأبي بكر الماذرائي وسواه ، تدعوهم فيها أن يهبوا وينتفضوا ضد الدولة؟
الحلاج: الدولة..! لا أشغل نفسي بالدولة ، بل اشغلها بقلوب أحبائي
مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور مسرحية شعرية من جزأين : الجزء الأول ؛ الكلمة في ثلاثة مناظر ، والجزء الثاني ؛ الموت في منظرين .
والكلمة فارماكون : أي سم وترياق في نفس الوقت ، وهي حياة وموت . إن إفشاء سر الكلمة قاد الحلاج إلى الموت وترك للأغيار حق التصرف في دمه. إن النقص في مناظر الجزء الثاني ذو دلالة، فهو يشير إلى أن كمال الجزء الأول هو علامة نقص . بكلام آخر، إن كمال العلم بحاجة إلى تكملة عملية. وعلى قول الشاعر ابن الرندي: لكل شيء إذا ما تم نقصان ..
تبدا المسرحية الشعرية من المحاكمة الأخيرة للحلاج سنة 309 هـ ، بالتالي يعتمد الشاعر أسلوب الخطف خلفاً في بناء القصّة. التاريخ والأشخاص مذكورون بوثائق تاريخية ، من هنا تدخل المسرحية في التصنيف ضمن ما يسمى بالمسرح التاريخي أو الوثائقي. فالشبلي وابن سريج وأبن عمر وإبراهيم بن فاتك شخصيات تاريخية فعلية غير متخيلة.
يقول الشاعر في الملاحظات الإخراجية للمنظر الأول من الجزء الأول: "الساحة في بغداد، في عمق المشهد الأيمن جذع شجرة يتعامد عليه فرع قصير منها . لا يوحي المشهد بالصليب التقليدي" . هذا القول يريد أن يلمح إلى التشابه بين قصة الحلاج وقصة المسيح عيسى ابن مريم، لكنه يحذرنا من أن الحلاج ليس في منزلة المسيح عيسى . فعيسى المسيح مكوّن كون جديد ومؤسس زمن جديد وعهد جديد أتممه محمد النبي الرسول، بينما الحلاج يكافح كي يعيد إصلاح الكون المحمدي المكَّون من قبل. هو فرع من جذع شجرة فحسب. لذلك مطلوب منه إصلاح الزمن لا تأسيس زمن جديد . من هنا يدخل عيسى المسيح في "النسب الإلهي" (ثيوغوني) بينما يدخل الحلاج في "النسب المأساوي/ البطولي" الذي تتلخص مهمته في تجديد العهد المحمدي وإصلاح الكون المؤسَّس من قبل على ذلك العهد بعد أن نكثه الحكام و أفسدوا أمره.
ثلاثة مناظر للكلمة وهذا الكمال نقص . ومنظران للموت وهذا النقص كمال فعل . ففي هذا الموت يدين الحلاج قاتليه الذين ينفذون مشيئته ، ففي موته تحقيق توحيده . وكما أدى افشاءه لسر الكلمة إلى إعدامه وموته ، فقد كشف موته سر السلطة وفسادها ونكثها للعهد المحمدي الذي تدّعي الحفاظ عليه . لقد ظهرت على أنها سلطة ظالمة فاسدة أفقرت العباد ودفعتهم للبؤس والحضيض، بدل صيانة كرامتهم ومعاشهم. فهو يدين قاتليه ويكشف موته وإعدامه سر فساد تدين الجمهور من الغوغاء المضلّلة . فمن دون موته لا يكتمل توحيده لأن وحي الحق جاءه في "الزمن المعوجّ" أو الزمن المعتلّ. فموته وإعدامه حوّل كفره الظاهر إلى إيمان وشهادة .
الكلمة ؛ كلمة الحق قاتلة لأن إفشاء سرها في الزمن المعتلّ او الزمن "خارج الوصل" حسب عبارة شكسبير في مسرحية هاملت قاتلة ؛ فمن المفارقة أن إفشاء سر الإيمان في الزمن المعوجّ يظهر على شكل كفر . يقول الحلاج من الطويل:
كفرت بدين الله والكفر واجب علي وعند المسلمين قبيحُ (الأعمال الكاملة ، ص 297 )
كما أنه يفشي في هذا فساد الحكام وفساد إيمان عامّة المسلمين المضللة بتعاليم الحكام وشرعييهم وقضاتهم . فالناس في زمن كهذا على " دين" حكامها .
إن مجموع مناظر المسرحية الشعرية خمسة ، وهي إشارة إلى أدنى تجلٍ للإلهي في الناس . كما تشير إلى جور الحكام وظلمهم وقسوتهم ، ما يجعل الأرض منقوعة بالدم . وهذا هو زمن الإمام محمد الباقر الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر. يقول الشاعر الروماني أوفيد في ديوانه الخالد "التحولات" بترجمة أدونيس: "هزمت التقوى ، وهجرت هذه الأرض المنقوعة بالدم ، العذراء أستريا (العدالة) آخر الضيوف السماويين"(التحولات ص 18 )
إن ثلاثة مناظر هي مشهد كامل حسب قياس أرسطو الشهير: كل إنسان فان، سقراط إنسان، سقراط فان (مقدمتان كبرى وصغرى ونتيجة) الحقيقة في النتيجة ، إن فناء سقراط هو حدث تاريخي في زمان ومكان محددين، بالتالي هو الحقيقة لأن الحقيقة تاريخية. وهذا يقودنا إلى كلام الشاعر صلاح عبد الصبور في مقمة ديوانه: "حين قال سقراط اعرف نفسك تحول مسار الإنسانية ، إذ سعى هذا الفيلسوف إلى تفتيت الذرة الكونية الكبرى المسماة بالإنسان. والتي يتكون من تناغم آحادها ما نسميه بالمجتمع ، ومن حركتها ما نطلق عليه التاريخ ، ومن لحظات آلامها ونشوتها ما نعرفه بالفن.. كان الفلاسفة قبل سقراط يمدون أعينهم ما وراء حدود الواقع ، متجاوزين هذا الواقع في إصرار أعمى . فهم يبحثون عن العنصر الأول أو العناصر الأولى في خلق الكون ، فيزعم احدهم أنه الماء ويصرخ آخر أنه النار. ثم يهتدون إلى نظرية العناصر الأربعة لتصبح محط تلخيصهم الساذج. ثم تتقهقر هذه النظرية على مدى التاريخ من واجهة الفلسفة لتثوي في كتب التنجيم وكشف الطوالع.. ولكن سقراط لا ينظر في الكون والطبيعة ، وهو كذلك لا يمد بصره إلى ورائها . فالإنسان هو الذي يعنيه . وهو حين يقول : اعرف نفسك ، يعني ان تعرف الجذور التي تنتمي إليها ، وهي جذور المجتمع التاريخي(البشرية) الممتدة في ذاتك المفردة "(مقدمة الديوان، ص 5-6 )
هذا التأكيد على أولوية الإنسان نجده في القرآن الكريم في قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) [البقرة: 34 ] ونجده عند ماركس، حيث يكتب: "أن تكون جذرياً، هو أن تأخذ الأشياء من جذرها . إذن فبالنسبة للإنسان ، فالجذر هو الإنسان ذاته "(ماركس: مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيغل- نقلاً عن جورج لوكاش تحت عنوان : التشيؤ والوعي البروليتاري. من كتاب التاريخ والوعي الطبقي ص 79 )
هذا هو السر في تأكيد الشاعر على البعد الاجتماعي لمأساة الحلاج . حيث جاءت مأساته أو بطولته لإصلاح ما فسد من الكون المحمدي على يد الحكام ، جاء ليصحح اعتلال الزمن . فجاء موته ليكمل توحيده ويظهر إيمانه. يقول من مجزوء الرمل:
اقتلوني يا ثقاتي إن في موتي حياتي (الاعمال الكاملة ، ص 294 )
إن الله يحضر كأشخاص في فعل التغيير الاجتماعي –التاريخي بواسطة الإنسان؛ بواسطة أفرد البشر ممن شخصوا بالحقيقة الإلهية . إن الله يظهر بهؤلاء وفي شروط مواتية متضافرة. بحيث يشخص هؤلاء عبر معرفة حقيقة الشرط الاجتماعي- التاريخي . وفي الحديث أن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " إشارة إلى أنّ كدر نفس الإنسان يبعدها عن الله ، وصفاءها واستواءها يقرّبها منه ويرفعها به.
تظهر البنية الاجتماعية التاريخية في عمل عبد الصبور ثلاثية الأبعاد، والثلاثة كون لا يعي ذاته، كون "جاهل" ينقصه الوعي بذاته، كون يجهل نفسه . فهو وحدة عمياء لا بصيرة لها ضالة. تتكون هذه الوحدة من تاجر، وفلاح ، وواعظ لا يعرف أين حطّه ربّه.
تضيء مقدمة المسرح اليمنى للإشارة إلى عزم الأمور وقسوة التاريخ ، حيث نجد مجموعة من الناس في مقدمتهم مقدّمهم"
"الواعظ يسأل مقدّم المجموعة: هل تعرف من قتله ؟
المجموعة: نحن القتلة
مقدم المجموعة: انظر إني أعمى اتسول في طرقات الكرخ
التاجر: هل فيكم جلاّد؟
المجموعة: لا.. لا .. قتلناه ليس بأيدينا ، بل بالكلمات
المجموعة: صفوّنا صفاً صفا
بعد أن أعطوا كل منا ديناراً من ذهب قاني
لم تلمسه كفّ من قبل
قالوا: صيحوا زنديق .. كافر
صحنا زنديق.. كافر
قالو: صيحوا فيلقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا
فليقتل إنّا نحمل دمه في رقبتنا
قالوا: امضوا فمضينا "
لقد قتلوه لفقرهم وجهلهم ولقد تمّت رشوتهم وتضليلهم من قبل حكامهم.
نلاحظ أن المجموعة من العامة التي قتلت الحلاج بالكلمة (بالفقر والجهل) هم أصحاب جهة اليمين في المسرح على سبيل السخرية المرّة، هم القتلة الفعليون(كوميديا سوداء). أمّا مجموعة الصوفية فليس لها مكان أو جهة محددة على الخشبة وهذا يشير إلى بلبلة في صفوف هذه المجموعة تجاه إعدام شيخهم وبابهم، هم يجهلون حقيقته (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن) [النجم: 28 ]. كما يشير إلى أن العوامّ هم من ينفّذ عزم الاجتماعي- التاريخي (عزم الأمور) وقسوتها . لقد قتلوه فجازوه جزاءً مرموزاً . ولكنهم لم يقتلوه كلمة ويقيناً ولكن شُبّه لهم. يقول الحلاج في طاسين الأَزْل والالتباس: "في صحة الدعاوي بعكس المعاني" ، فالأشياء تعرف بأضدادها .. والملك يعرض المحاسن ويقول للمحسن: إن فعلتها جزيت مرموزاً"
"يضيء جانب آخر من المسرح ، وتبدو منه مجموعة من الصوفية"
مجموعة الصوفية: نحن القتلة .. أحببناه فقتلناه
الواعظ: لا نَلقى اليوم سوى القتلة !
مجموعة الصوفية: أحببنا كلماته أكثر مما أحببناه
فتركناه يموت كي تبقى الكلمات
لقد أحبوه على الحقيقة لا على الشخص . لم يستطع بفعل "اعتلال الزمن" أن يعينهم على تغيير حياتهم وفقرهم ، ولا أن يخلصهم من الظلم والجور. إياك نعبد من دون إياك نستعين.
عندما تسأل المجموعة عن تعريف نفسها على لسان التاجر: من أنتم؟
المجموعة: أصحاب طريق مثله
ولم تقل أصحاب طريقة هي طريقته . وهذا يعني أنها متشبهة به وليست هي هو : "وأَلّو استقاموا على الطريقة لسقيانهم ماء غدقاً "[الجن: 16 ] أي أنْ لو استقاموا لأسقيناهم كثير من الخير والنعمة. غدق: تدل على غُزر و كُثر ونعمة " (م4/ 415 )
مقدم المجموعة: كان يريد أن يموت ، كان يقول : كأن من يقتلني محقق مشيئتي ومنفذ إرادة الرحمن (اقتلوني ياثقاتي إن في قتلي حياتي).
إن من يقتلني سيدخل الجنان لأنه بسيفه أتم الدورة.
لأنه أغاث بالدما غذّ نخس الوريد .
شجيرة جديبة زرعتها بلفظي العقيم .
فدبت الحياة فيها طالت الأغصان .
مثمرة تكون في مجاعة الزمان ، خضراء تعطي دون موعد بلا أوان"
وهنا يكثر الشاعر الاستعارة من الشجرة وأجزائها، وهي استعارة نباتية أصيلة في القصص القراني (فلما آتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنّي أنا الله رب العالمين).[القصص: 30 ]
المجموعة: لايخشى الموت سوى الموتى ..
مقدم المجموعة : لا تبغي الفهم .. اشعر وأحس .. لا تبغي العلم تعرّف .. لا تبغي النظر تبصّر (العرفان أعلى من العلم فهو يجمع العقل والقلب ، العلم والإيمان. العلم وتكملته بالعمل.)
المجموعة: قل لي ماذا كانت تصبح كلماته لو لم يستشهد؟
يعتمد الشاعر التوثيق التاريخي للأشخاص في مسرحيته كالشبلي وابن سريج وأبو عمر وغيرهم ليشير إلى الطابع التاريخي لمسرحيته ، وليركز على الجانب الاجتماعي والنضالي لموت الحلاج وإعدامه.
الواعظ: هذا الشبلي .. شيخ الزهاد
كان له إقطاع في قريتنا
وتخلّى عنه لكي يمضي في طرق الصوفية
فلننظر ماذا يفعل
الشبلي: يا صاحبي وحبيبي
"أولم ننهك (يتكلم باسم مجموعة الصوفية) عن العالمين" فما انتهيت
قد كنت عطراً نائماً في وردته ، لمَ انسكبت؟ وردة مكنونة في بحرها لمَ انكشفت؟
هذا الكشف للسر سر الكلمة الإلهية ، أو سر التاريخي- الاجتماعي وأصله قاده إلى الإعدام والموت .
قال الشبلي: (وهو يلقي إليه وردة حمراء) لو كان لي بعض يقينك لكنت منصوباً إلى يمينك
في المنظر الثاني من الجزء الأول يسأل الحلاج الشبلي قائلاً: أأنا أرمد؟
الشبلي : لا ياحلاج ، بل حدّقت إلى الشمس ، وطريقتنا أن تنظر للنور الباطنيّ
بهذا يريد الشبلي القول للحلاج: حدقت في الشمس، وهو كناية عن إفشاء السر، فاحترقت عيناك من شدة الشعاع وقادك هذا التحديق إلى إعدامك. وعندما تم استجوابي حول كلمتك قلت لفظاً غامضاً . أنا الذي قتلتك ، أنا الذي قتلتك.
الحلاج : (كونك تلفظت بغموض مما ساعدهم في قتلي) : إني اشرح لك :
لم يختار الرحمن شخوصاً من خلقه
إلا ليفرّق فيهم أقباساً من نوره
هذا ليكونوا ميزان الكون المعتلّ، ويفيضوا نور الله على فقراء القلب
وكما لا ينقص نور الله إذا فاض على أهل النعمة
لا ينقص نور الموهوبين إذا فاض على الفقراء
الشبلي: لا يا حلاج، إني اخشى ان أهبط للناس
يعتمد الشاعر هنا فكرة الفيض الإلهي الأفلوطينية (نسبة إلى افلوطين 205-270 م ) أبرز ممثلي الأفلاطونية المحدثة ، يعرف في المصادر العربية "بالشيخ اليوناني")
الشبلي وقد رأى الحلاج قد هبط إلى الناس وانخرط في الصراع الاجتماعي التاريخي، وحكم عليه الحكام الفاسدين بالإعدام ، وحتى يحرم من البطولة أمام الجمهور اتهمه القضاة ، أدوات الحكام، بالكفر . وقد ساهمت عبارة الشبلي الغامضة التي هدف من ورائها إنقاذ نفسه في تسهيل مهمة القضاة.
الحلاج: هبنا جانبنا الدنيا ، ماذا نصنع عندئذٍ بالشر؟
الشبلي : ماذا تعني بالشر؟
الحلاج: فقر الفقراء، جوع الجوعى
في اعينهم تتوهج ألفاظ لا أوقن معناها
أحياناً أقرأ فيه: ها أنت تراني ، لكن تخشى أن تبصرني
لعن الدّيان نفاقك
أحياناً أقرأ فيه: في عينيك يذوي إشفاق ، تخشى أن يفضح زهوك
ليسامحك الرحمن
قد تدمع عيني حينئذ قد أتألم
أما ما يملأ قلبي خوفاً ، يضني روحي فزع وندامة
فهي العين المرخاة الهدب فوق استفهام جارح
"أين الله"؟
هذا القول يبوح بسر المنظر:
التاجر: انظر ماذا وضعوا في سكتنا
الفلاح: شيخ مصلوب
الواعظ: يبدو كالغارق في النوم
التاجر: عيناه تنسكبان على صدره
الواعظ: وكأن ثقلت دنياه على جفنيه ، أو غلبته الأيام على أمره
التاجر: فحنا الجذع المجهود ، وحدق في الترب
الواعظ: ليفتش في موطئ قدميه عن قبره
العين المرخاة الهدب فوق استفهام جارح تصرخ: اين الله؟
إن الله لايهبط على ناس تركوا انقيادهم لإبليس وزير ملك القحط . هذا ما يعنيه أوفيد بالقول: هزمت التقوى، وهجرت هذه الأرض المنقوعة بالدم العذراء أستريا(العدالة) آخر الضيوف الإلهيين"
وأقول مع الحديث: لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ويعملون بوصية سقراط: اعرف نفسك تعرف الله! فمن عرف قدر نفسه عرف ربّه
الشبلي: هل تسألني من ذا صنع الفقر؟ من ألقى في عين الفقراء؟
كلمات تفزع من معناها ، وإليك جواب سؤالك: الظلم..
هل تسالني من ذا صنع القيد الملعون، وأنبت سوطاً في كفّ الشرطي
وإليك جواب سؤالك: الظلم
هل تسألني من ذا صنع الاستعباد؟ الظلم..
ظلم: أصلان؛ أحدهما خلاف الضياء والنور(الظلمة)، والآخر : وضع الشيء غير موضعه تعدياً (التعدّي والطغيان)" (مم 3 ص 468 )
الشبلي: لكني القي في وجهك سؤال مثل سؤالك
من صنع الموت ؟
من ألقانا بعد الصفو النوراني في هذا الماخور الطافح
من.. من ..؟
الحلاج: لا أجرؤ..
أتريد تقول .. لا..لا .. لتملأ نفسي شكاً يا شبلي
الشبلي: بل إني املأها علماً ويقيناً يا حلاج
الشر قديم في الكون .. كي يعرف ربي من ينجو ممن يتردى
هذا الرأي للشبلي يشير إلى عدم تضافر الشروط لمواجهة الشر الراهن ، بالتالي الزمن زمن الحلاج معتلٌّ وخارجٌ عن الوصل ، ولا يمكن للشبلي أوغيره أن يفهم موقف الحلاج العصيّ على الفهم ، كما هو حال المسيح حين هبط إلى العالم يدافع عن المظلومين والفقراء وهم قتلته .
يأتي رد الحلاج على الشبلي حين يدخل إبراهيم بن فاتك ، شاب من اهل الله ، هل تعرفه يا شبلي؟
الشبلي: وأحبه
(يدخل إبراهيم منزعج الخاطر مسرعا)
الحلاج (وفيه رد على الشبلي): ماذا تطوي في قلبك حتى فاض على سيماك
هدِّء من روعك، فالدنيا عند الشبلي في خير ما دمنا (أنا وأنت) في خير
وفي إشارة إلى هبوط الحلاج إلى العالم وتركيز المسرحية على الجانب الاجتماعي السياسي لعمل الحلاج يقول إبراهيم: كنت قد أزور اليوم القاضي ابن سريج، نبأني أن ولاة الأمر يظنون بك السوء.
ويقولون: هذا رجل يلغو في أمر الحكام ، ويؤلب احقاد العامة، ورجاني أن أنبيك رجاءه بالحيطة والكتمان.
الحلاج: ماذا نقموا مني ؟ أترى نقموا مني أنّي أتحدث في خلصائي وأقول لهم : إن الوالي قلب الأمة، هل تصلح إلا بصلاحه. فإذا وليتم لا تنسوا أن تضعوا خمر السلطة في اكواب العدل؟
أترى نقموا منّي تدبيري رأيي في امر الناس ، إذ أشهدهم يمشون إلى الموت.
إبراهيم: زعموا أن قد أرسلت رسائل سرية لأبي بكر الماذرائي ، والطولوني ولحمد القنائي، وسواهم ممن يطمح للسلطة
الحلاج: هم بعض وجوه الأمة
وهمو أيضاً خلصائي، أحبائي وعدوني إن ملكوا الأمر أن تحلوا سيرتهم ويعفوا عن سقط الفعل ، أن يعطوا الناس حقوق الناس على الحكام فنجاوبهم بحقوق الحكام على الناس. هم زهرة آمالي في هذا العالم يا إبراهيم.
لم يفهم إبراهيم شيخه ، يقول: ورجعت لتلقى الحمق يسود بكل مكان يتحرّش بك
الحلاج: لكن أصحابي أكثر من أعدائي
إبراهيم: لا ابصر مخلوقاً منهم يا مولاي إلا شيخي الشبلي وأنا. وكلانا مسكين يتحسس خطوه"
لقد حُجبت حقيقة الحلاج وتضحيته واستشهاده بأنية إبراهيم (قال: أنا وأنت والشبلي لاغير. وهذه الكلمة ؛( لاغير) قالها إبليس)
الحلاج يرى أنصاره في كلمته وفي آلاف المظلومين المنكسرين، وفي آيات القرآن وأحرفه، وفي كلمات المهجور المحزون على جبل الزيتون (هنا عيسى المسيح مولى الحلاج وشيخه، فهو يسير على درب آلامه)
وتستمر أنية إبراهيم تحجب عنه حقيقة الحلاج شيخه ومولاه
إبراهيم: يا مولاي ، في عصر ملتاث(معوجّ) ، قاس ، وضنين
لن يصنع ربي خارقة أو معجزة ، كي ينقذ جيلاً من هلْكا ، قد ماتوا قبل الموت.
سيقال لعيسى ابن مريم: (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء) [النمل: 80 ]
الحلاج: يا ولدي، كم أخطأت الفهم! لا أطلب من ربي أن يصنع معجزة، بل أن يعطيني جلداً ، كي ادرك اصحابي عنده.
إبراهيم: هل تأذن لي ان أذهب على الماذرائي استرشده فيما نفعل؟
الحلاج : بل اسأل قلبك! فقلب المؤمن دليله ودلّاله.
(يخرج إبراهيم)
الشبلي: رجل طيب.. ويحبك.
الحلاج: يقصيه هذا عني، احياناً يخطئ سبل الحب، ويحب الله بشخصي
الشبلي: ماذا تعني؟
الحلاج: لو أحببني في الله بدلاً من حب إلهي فيَّ
لم يفزع ، لم ينصحني بالهجرة إلى خراسان.
في هذا القول دحض لدعوى مذهب الحلول عند الحلاج ، فالحلاج صبغته صبغة الله ، وقفت أنيته بينه وبين الحق فترك للأغيار حق التصرف بدمه وقتله . (صبغة الله، ومن أحسن منه صبغة ونحن له عابدون)[البقرة : 138] حلّ: أصلها : فتح الشيء .. وحلّ نزل. قال قوم: من مُحلٍ ومُحرم: من محلٍ يرى دمي حلالاً ومحرم يراه حراماً. إن حلولية الحلاج أنّه أحلّ دمه لتصرف الأغيار.
يقول في الديوان: بيني وبينك إنيّ ينازعني فارفع بإنّك إنّيي من البين (325 الأعمال)
لم يبق سوى هذا الإني أو الإنية حتى يفنى في الحق. وعن الخرقة : اخلعها ياشيخ إن كانت ستراً منسوجاً من أنيتنا كي يحجبنا عن أعين الناس ، فنحجب عن عين الله.
يستخدم الحلاج الأني والإنية على صيغة المذكر لأن الإنية موقع الأمر في النفس فتنتصب حالاً وتذكّر.
الشبلي: قل يا حلاج ، هل ما اشتقت إلى الحج؟
الحلاج: الحج ، هل أوقد قلبي ناراً إلا الحج؟
في الحج أقول: الحج قصد الحق ، الرجوع إلى الحق . القصد إلى البيت الحرام للنسك، يقول:
للناس حجٌ ولي حجٌ إلى سكني تُهدى الاضاحي وأُهدي مهجتي ودمي (الاعمال 322 ) ساخوض في طرق الله ربانياً حتى أفنى فيه .. أرغب أن أنزل للناس ، وأحدثهم عن رغبة ربي"
مثل الحلاج على درب عيسى ابن مريم ، لم يأكل الحواريون من المائدة التي طلبوا منه تنزيلها لكن اكل منها عامة الفقراء والمرضى والمحزونين، ولم يأكل منها اليهود. "فلما نزلت مائدة عيسى على اليهود قالوا يا روح الله كن أول من يأكل منها ، ثم نأكل منها نحن. فقال عيسى معاذ الله أن آكل منها ، ولكن يأكل منها من يسألها. فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها عيسى اهل الفاقة والزمن والمرضى والمبتلين . فقال: كلوا منها جميعاً ، ولكم الهنا ولغيركم البلاء" (كتاب المائدة ص42 ).
الحلاج: إليّ.. إلي يا غرباء .. يا فقراء يا مرضى .. كسيري القلب والأعضاء ، قد أُنزلت مائدتي إلي إليّ
الفلاح: شيخ مجذوب . والحلاج شيخ صارخ في البرية ولا من يسمع
ولكن ، اين الله؟!
صوت الحلاج يرتفع: فإن تصفو قلوب الناس ، تأنس نظرة الرحمن إلى مرآتنا ، ويديم نظرته فتحيينا. وإن تُكدّر قلوب الناس يصرف وجهه عنا ، ويهجرنا ويجفونا كما هجرت أستريا (العدالة) آخر الضيوف السماويين الأرض المنقوعة بالدم . يقود خطانا إبليس وهو وزير ملك القحط . وليس القتل والتدجيل والسرق ، ولبس خيانة الأصحاب والملق ، وليس البطش والعدوان والخرق سوى بعض رعايا القحط"
شرطي: هيا يا كافر
أحد الصوفية: لا يا قوم ، هذا سكر الصوفي، فاض القلب فعربد، غلب الوجد القصد !
الشرطي : هذا لغو أجوف. فلنحم الدين من الكفرة
صوفي: لكن هل أخذوه من أجل حديث الحب، لا بل من أجل حديث القحط
ما يزال تركيز الشاعر على البعد الاجتماعي السياسي لعمل الحلاج واستشهاده، بالرغم من اختلاطه بالعرفان الصوفي.
الحلاج: لا يا اصحابي لا تلقوا بالاً لي ، أستودعكم كلماتي.. دعوني حتى تنفذ في بدني لتؤدّبني .. هذا حقّ يا ولدي ، فلقد اجرمت بحقّه ، إذ افشيت السر..
الحلاج: عاقبني يا محبوبي إنّي خنت العهد ، لا تغفر لي ، فلقد ضاق القلب عن الوجد (الوحي في الزمن خارج الوصل، في الزمن المعتل المتقطع الأوصال)
لكن عاقبني كعقاب الخصم خصيمه ، لا كعقاب المحبوب حبيبه . لا تهجرني ، لا تصرف عني وجهك ، لا تقتل روحي بدلالك، اجعل بدني الناحل أو جلدي المتغضن أدوات عقابك.
من اتهمه بالكفر فقد جازاه مرموزاً ، ومن نعته بإبليس فقد جازاه كذلك.
الحارس: ادخل يا أعدى أعداء الله
الحلاج: فليسامحك الله ، فقد أعطيت الحلاج المسكين اعلى من قدره
السجين الأول: هل تبحث في اسرار الكون؟
الحلاج: بل اشهدها احياناً
السجين الأول: مجذوب أنت؟
الحلاج: دوماً نحو النور
السجين الأول: هل أنت ولي؟
الحلاج: لا بل مولى
الحارس: أنت شيطان، بل أنت ملاك .. جبريل
(الحارس يتهاوى بجانبه ويبكي): ايّن كنت ، اغفر لي
الحلاج: بل اشكره أن انصف حالي في الحب ، إذ عاقبني في بدني
يارب: لو لم أسجن، اضرب وأعذب
كيف يقيني عندئذٍ أنك ترعى عهد الحب
لكن الان تيقنت يقين القلب
إن مهمة الحلاج تحرير الأرواح لا تخليص الأجساد ، مهمته أخلاقية في إصلاح تديّن الناس بعد أن فسدت قلوبهم، لا الاتيان بدين جديد. يقول في رده على السجين الثاني حين سؤاله عن التهمة؟:
الحلاج: إني أتطلع أن أحيي الموتى
السجين الثاني : "ساخراً" أمسيح ثان أنت!
الحلاج: لا لم ادرك شأو ابن العذراء
لم أعط تصرفه في الأجساد
أو قدرته في بعث الأشلاء
فقنعت بإحياء الأرواح الموتى
السجين الثاني: "ساخراً" ما اهون ما تقنع به!
الحلاج: لم تفهم عني يا ولدي، فلكي تحيي جسداً ، خذ رتبة عيسى او معجزته
أما كي تحيي الروح ، فيكفي ان تملك كلماته (وتسلك دربه وطريقته)
نبئني .. كم احيا عيسى أرواحاً قبل المعجزة المشهودة ؟
آلاف الأرواح، ولكن العميان الموتى لم يقتنعوا ، فحباه الله بسر الخلق
هبة لا اطمع أن تتكرر
يريد الحلاج القول: عيسى مؤسس كون جديد وعهد جديد وأنا على دربه وهدي كلماته .
إن اثر الفلسفة اليونانية في النص الشعري واضحة وصريحة، يقول الشاعرعلى لسان السجين الثاني: الجوهر والذات والماهيات والاستقصات والقاتيغوريات (المقولات) يوناني لا يفهم .
لهذه الكلمات مهمة جليلة ، فهي تشير إلى الاختلاف بين العلم والمعرفة . الأول علم بلا قلب والثانية علم مع إيمان وقلب ويقين، علم وعمل.
في النص تناص من عنترة :
الحلاج: ما أجدى ما يطعن من طعن عن الطعن(جناس)
فتبلد وتحمحم ، كحصان ابن زبيبة عنتر
"فازور من وقع القنى بلبانه وشكى إلي بعبرة وتحمحم "
الحلاج للقضاة: لستم بقضاتي ، ولذا لن أدفع عن نفسي
أفنيت نفسي فيه
أبن عمر: صمتاً ، هذا كفر!
ابن سريج: بل هذا حال من أحوال الصوفية
لا يدخل في تقدير محاكمنا ، أمر بين العبد وربه
لنسائله عن تهمة تحريض العامة
فلهذا اوقفه السلطان هنا
هل افسدت العامة يا حلاج؟
الحلاج: لا يفسد أمر العامة إلا السلطان الفاسد، يستعبدهم ويجوعهم
ابن سليمان: يعني هل كنت تحضّ على عصيان الحكام؟
الحلاج: بل كنت احضّ على طاعة ربّ الحكام، برأ الله الدنيا أحكاماً ونظاماً، فلماذا اضطربت واختل الأحكام ؟ خلق الإنسان على صورته في أحسن تقويم ، فلماذا رد إلى درك الأنعام؟
أبن عمر: هل تزعم أنك صوفيّ..؟
الحلاج: الله يصنفني حيث يشاء
أبن عمر: هل تزعم أنك فارقت الدنيا وشواغلها؟
الحلاج: ها أنا ذا في الدنيا يا سيد أشغل نفسي بالرد على اسئلتك
أبن عمر: هل أرسلت رسائل لأبي بكر الماذرائي وسواه ، تدعوهم فيها أن يهبوا وينتفضوا ضد الدولة؟
الحلاج: الدولة..! لا أشغل نفسي بالدولة ، بل اشغلها بقلوب أحبائي
أبن عمر تنكر..؟ يا حاجب .. قل للشرطة يأتوا بالماذرائي
الحاجب: هرب الماذرائي من بغداد يا مولاي ، وكذلك حمد الطولوني والقنائي
منذ أنبأهم جاسوس بالقصر عن قرب محاكمة الحلاج
أبن عمر: أحسبك الآن ستمضي في إنكارك ، لكني من نطقك سأدينك، هل أرسلت رسائل؟
الحلاج: قطع من قلبي أهديها لقلوب أحبائي
أبن عمر : ماذا فيها؟
الحلاج: تذكير لهم ان الإنسان شقي في مملكة الله
أبن عمر : لما أرسلت إليهم برسائلك المسمومة؟ (أي الإنسان شقي في مملكة مولانا الخليفة السلطان)
الحلاج: هذا ما جال في فكري، عاينت الفقر يعربد في الطرقات ويهدم روح الإنسان
فسألت النفس: هل ادعو جمع الفقراء أن يلقوا سيف النقمة في أفئدة الظَلَمة؟
ماذا أصنع،
أم أدعو الظلمة أن يضعوا الظلم عن الناس ، لكن هل تفتح كلمة قلباً مقفولاً برتاج ذهبي ؟
يقول انجيل مرقس (10: 25) : "أن يدخل الجمل في ثَقْب الإبرة أيسرُ من أن يدخل الغنيُّ ملكوت الله"
إن استخدام رؤية بدلاً من رؤيا فيه ترجيح للاجتماعي السياسي على الصوفي العرفاني. رأى: يدل على نظر وإبصار ، بعين او بصيرة. فالرأي: ما يراه الإنسان في الأمر.." (مم 2 ص 472 )
قال المتنبي الشاعر:
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ مِرّةٍ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ (قارن هذا الجناس مع جناس الطعن الوارد عند عبد الصبور)
الحاجب: هرب الماذرائي من بغداد يا مولاي ، وكذلك حمد الطولوني والقنائي
منذ أنبأهم جاسوس بالقصر عن قرب محاكمة الحلاج
أبن عمر: أحسبك الآن ستمضي في إنكارك ، لكني من نطقك سأدينك، هل أرسلت رسائل؟
الحلاج: قطع من قلبي أهديها لقلوب أحبائي
أبن عمر : ماذا فيها؟
الحلاج: تذكير لهم ان الإنسان شقي في مملكة الله
أبن عمر : لما أرسلت إليهم برسائلك المسمومة؟ (أي الإنسان شقي في مملكة مولانا الخليفة السلطان)
الحلاج: هذا ما جال في فكري، عاينت الفقر يعربد في الطرقات ويهدم روح الإنسان
فسألت النفس: هل ادعو جمع الفقراء أن يلقوا سيف النقمة في أفئدة الظَلَمة؟
ماذا أصنع،
أم أدعو الظلمة أن يضعوا الظلم عن الناس ، لكن هل تفتح كلمة قلباً مقفولاً برتاج ذهبي ؟
يقول انجيل مرقس (10: 25) : "أن يدخل الجمل في ثَقْب الإبرة أيسرُ من أن يدخل الغنيُّ ملكوت الله"
إن استخدام رؤية بدلاً من رؤيا فيه ترجيح للاجتماعي السياسي على الصوفي العرفاني. رأى: يدل على نظر وإبصار ، بعين او بصيرة. فالرأي: ما يراه الإنسان في الأمر.." (مم 2 ص 472 )
قال المتنبي الشاعر:
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ مِرّةٍ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ (قارن هذا الجناس مع جناس الطعن الوارد عند عبد الصبور)
أبن عمر: هل تبغي ان يرتفع الفقر عن الناس؟
الحلاج: ما الفقر؟ ليس الفقر هو الجوع إلى المأكل والعري إلى الكسوة
الفقر هو القهر، الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح.
كل هذا الاستجواب الرفيع مكرس لإظهار هيمنة الاجتماعي السياسي في عمل الحلاج .
وكل هذا الغضب للمدينة وحاكمها ، ورغبتهم في معاقبته، لأن الحلاج سمم المدينة الجاهلة بكلمته، كلمة الحق في زمن معتلّ ، معوج جائر وظالم، حيث لا شروط متضافرة للتغيير الاجتماعي السياسي.
نقرأ في "ديوان الأفكار":
الحلاج: ما الفقر؟ ليس الفقر هو الجوع إلى المأكل والعري إلى الكسوة
الفقر هو القهر، الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح.
كل هذا الاستجواب الرفيع مكرس لإظهار هيمنة الاجتماعي السياسي في عمل الحلاج .
وكل هذا الغضب للمدينة وحاكمها ، ورغبتهم في معاقبته، لأن الحلاج سمم المدينة الجاهلة بكلمته، كلمة الحق في زمن معتلّ ، معوج جائر وظالم، حيث لا شروط متضافرة للتغيير الاجتماعي السياسي.
نقرأ في "ديوان الأفكار":
ببصلة زنبق
وبحبّة تين يابسة
ضربت المدينة الغاضبة
سقراط
على خصيتيه وذكره
لأن ماءه
سمّم المدينة." *
أبن عمر: ما رأيكمو يا أهل الإسلام فيمن يتحدث أن الله تجلى له، أم أن الله يحلّ بجسده؟ **
المجموعة كافر .. كافر
أبن عمر : بما تجزونه؟
المجموعة: يقتل، يقتل
أبن عمر : دمه في رقبتكم..؟
المجموعة: دمه في رقبتنا
اذهبوا لتقولوا في الطرقات ما شهدت أعينكم : قد كان حديث الحلاج عن الفقر قناعاً يخفي كفره
لكن الشبلي صاحبه قد كشف سره ، فغضبتم لله وأنقذتم أمره
الدولة لم تحكم ، أنتم حكّمتم فحكمتم ، فامضوا قولوا للعامة
(العامة قد حاكمت الحلاج .. امضوا .. امضوا .. امضوا)
"يخرجون في خطى متباطئة ذليلة"(ستار)
مراجع وهوامش:
*نايف سلوم: ديوان الأفكار ، مخطوط غير منشور
** أأنت أم أنا هذا في إلهين حاشاك حاشاي من اثبات اثنين (الحلاج: الأعمال الكاملة.
والحلاج يصرح بانّه ناسوت حلّ فيه اللاهوت. الاتحادية قالوا بواحد (المسيحية اليعقوبية؛ المسيح طبيعة واحدة لاهوتية ) والحلولية قالوا باثنين (النساطرة قالوا بالطبيعتين: المسيح ناسوت حلّ فيه لاهوت).
والحلول نوعان: الحلول السرياني وهو اتحاد الشيئين بحيث تكون الإشارة إلى احدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد فيسقى الساري حالاً والمَسري فيه محلاً. (حال ومحل، نازل ومنزل)
النوع الثاني هو الحلول بالجوار أو التجاور (الجواري): كون أحد الشيئين ظرفاً للآخر كحلول الماء في الكوز. (راجع : نايف سلوم : الزمن الموحش، دراسة نقدية )
وبحبّة تين يابسة
ضربت المدينة الغاضبة
سقراط
على خصيتيه وذكره
لأن ماءه
سمّم المدينة." *
أبن عمر: ما رأيكمو يا أهل الإسلام فيمن يتحدث أن الله تجلى له، أم أن الله يحلّ بجسده؟ **
المجموعة كافر .. كافر
أبن عمر : بما تجزونه؟
المجموعة: يقتل، يقتل
أبن عمر : دمه في رقبتكم..؟
المجموعة: دمه في رقبتنا
اذهبوا لتقولوا في الطرقات ما شهدت أعينكم : قد كان حديث الحلاج عن الفقر قناعاً يخفي كفره
لكن الشبلي صاحبه قد كشف سره ، فغضبتم لله وأنقذتم أمره
الدولة لم تحكم ، أنتم حكّمتم فحكمتم ، فامضوا قولوا للعامة
(العامة قد حاكمت الحلاج .. امضوا .. امضوا .. امضوا)
"يخرجون في خطى متباطئة ذليلة"(ستار)
مراجع وهوامش:
*نايف سلوم: ديوان الأفكار ، مخطوط غير منشور
** أأنت أم أنا هذا في إلهين حاشاك حاشاي من اثبات اثنين (الحلاج: الأعمال الكاملة.
والحلاج يصرح بانّه ناسوت حلّ فيه اللاهوت. الاتحادية قالوا بواحد (المسيحية اليعقوبية؛ المسيح طبيعة واحدة لاهوتية ) والحلولية قالوا باثنين (النساطرة قالوا بالطبيعتين: المسيح ناسوت حلّ فيه لاهوت).
والحلول نوعان: الحلول السرياني وهو اتحاد الشيئين بحيث تكون الإشارة إلى احدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد فيسقى الساري حالاً والمَسري فيه محلاً. (حال ومحل، نازل ومنزل)
النوع الثاني هو الحلول بالجوار أو التجاور (الجواري): كون أحد الشيئين ظرفاً للآخر كحلول الماء في الكوز. (راجع : نايف سلوم : الزمن الموحش، دراسة نقدية )
مصادر ومراجع:1-صلاح عبد الصبور : مأساة الحلاج ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1996
2-الحلاج- الأعمال الكاملة ، تحقيق قاسم محمد عباس ، منشورات مؤسسة رياض الريس للنشر ط1 2002 بيروت
3-أوفيد: التحولات ، نقلها على العربية أدونيس الطبعة الثانية 2011 دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر ، دمشق
4-ديوان صلاح عبد الصبور – المجلد الثالث ، دار العودة بيروت ، الطبعة الثانية 1977 – المقدمة
5- القرآن الكريم
6-انجيل مرقس
7- كتاب المائدة المنسوب لأبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ، أعده وحققه : الشيخ عبد الله الجعفري ، الطبعة ألولى 2009 م مؤسسة البلاغ- بيروت
8-جورج لوكاش: التاريخ والوعي الطبقي ترجمة الدكتور حنا الشاعر ، دار الأندلس للطباعة والنشر ، ط2 1982 بيروت
9-ويكيديا الموسوعة الحرة
10-معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 هـ ) تحقيق وضبط عبد السلام هارون ، دار الفكر للطباعة والنشر . طبع بإذن خاص من رئيس المجمع العلمي العربي الإسلامي محمد الدّاية 1979 م في ستة أجزاء . وقد رمزنا له ب(مم مضاف ج أي الجزء ورقم الصفحة)
11- نايف سلوم: ديوان الأفكار مخطوط غير منشور
12- نايف سلوم: الزمن الموحش ، دراسة نقدية ، منشور على موقع الحوار المتمدن
13-عبد الرحمن البرقوقي : شرح ديوان المتنبي ن نشر مؤسسة الهنداوي للتعليم والثقافة 2014 م القاهرة
2-الحلاج- الأعمال الكاملة ، تحقيق قاسم محمد عباس ، منشورات مؤسسة رياض الريس للنشر ط1 2002 بيروت
3-أوفيد: التحولات ، نقلها على العربية أدونيس الطبعة الثانية 2011 دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر ، دمشق
4-ديوان صلاح عبد الصبور – المجلد الثالث ، دار العودة بيروت ، الطبعة الثانية 1977 – المقدمة
5- القرآن الكريم
6-انجيل مرقس
7- كتاب المائدة المنسوب لأبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ، أعده وحققه : الشيخ عبد الله الجعفري ، الطبعة ألولى 2009 م مؤسسة البلاغ- بيروت
8-جورج لوكاش: التاريخ والوعي الطبقي ترجمة الدكتور حنا الشاعر ، دار الأندلس للطباعة والنشر ، ط2 1982 بيروت
9-ويكيديا الموسوعة الحرة
10-معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 هـ ) تحقيق وضبط عبد السلام هارون ، دار الفكر للطباعة والنشر . طبع بإذن خاص من رئيس المجمع العلمي العربي الإسلامي محمد الدّاية 1979 م في ستة أجزاء . وقد رمزنا له ب(مم مضاف ج أي الجزء ورقم الصفحة)
11- نايف سلوم: ديوان الأفكار مخطوط غير منشور
12- نايف سلوم: الزمن الموحش ، دراسة نقدية ، منشور على موقع الحوار المتمدن
13-عبد الرحمن البرقوقي : شرح ديوان المتنبي ن نشر مؤسسة الهنداوي للتعليم والثقافة 2014 م القاهرة
التعليقات على الموضوع