تحليلُ المقالةِ الأدبيّة المنتمية إلى خطابِ "إحياءِ النّموذجِ"
أولا: نصُّ المقالةِ (المرجو قراءة النصّ أولا حتى تسهل عمليةُ استيعابِ مراحلِ التحليلِ أدناهُ)
اِنبعــــاثُ الشِّعـــرِ العــــربيِّ
جاءت حركةُ انبعاثِ الشعرِ العربيِّ مرتبطةً بإحياء القديم وبالاِطّلاع على مذاهب القدماء في تناوُلِ الأغراض والتّعبير عن المعاني، وكان من وراء حركة الإحياء وعيٌ بالماضي ومن وراء هذا الوعي الشعورُ بأنه مستقرُّ المثل الأعلى، وهكذا يجب أن تُحْفَظ المراتب في التعليل، لا أن يلقى بها جزافا بحيث تقع كما يتَّفِق لها أن تقع بين السَّببية أو المسبََّبية.
لقد جاءتْ حركةُ البعثِ للشعرِ العربيِّ على مراحلَ من التدرُّجِ في التحرّرِ من التقليد، فقدِ انتقل الشعر العربيُّ من طوْرٍ هو أشبه بالموت، موتِ المعاني الشعرية في النظم، ونضوبِ ماء العاطفة والوجدان فيهِ، واختفاء النَّزعة الذاتية المميزة لشاعر عن شاعر، إلى طورِ انبعاثه بإحياء المعاني القديمة، فهو بعثٌ بالقياس إلى صورة الشعر العربي القديم، لأن هذا الشعرَ كان قد بلغ مبلغَه من الكمال والقوَّة في عصورٍ خلَتْ، ثم تحولَّت عنه الأذواقُ بدافع الإفراطِ في التصنُّع أو طلب التصنيع، ثم قصَّرت عن فهمه الطِّباع، وباعدت العهود المتعاقبة بين المشتغلين بالأدب وبين التراث الأدبيِّ السَّليم، بانتشار العُجْمةِ وانحراف السلائِق وضَعف اللغة وانتكاس سلطان الدولة العربية، وبذلك خمَدت الرُّوح القومية والمشاعر الذاتية، فلما عادت هذا المعاني إلى الظهور وبزوال موانعها وتوفر أسبابها من انتعاش الروح القومية ،وسريان الوعي الديني، والالتفات إلى الماضي وإحياء تراثه واجتلاءِ المعاني الذاتية والوجدانية في الشعر القديم، سرَى نُسْغُ الحياة من جديدٍ في جذُور الشعر العربيِّ شيئاً فشيئا، على نحو من التدرُّجِ والانفتاح، والاقتراب من سلامة الطَّبع، والبعدِ عن غَثاثة النظم العروضيِّ الثقيل. وهو بعثٌ أيضا بالقياس إلى الماضي، فمن خلال تقويم الشعر على أساس اعتبار القديم منه مستقرَّ المثل الأعلى في هذا العصر، كان انبعاثه بمثابة حركةٍ إلى الوراء إلا أنه لم يكن بد من أن تكون هذه الحركة سابقةً للقيام بالحركة التالية إلى الأمام.
منذ بداية سبعينات القرن التاسع عشرَ تبدأ مرحلة جديدة في حياة الآداب العربية و تُثْمر محاولاتٍ شعريةٍ جريئة تمهِّد الطريق أمام شعراء النهضة، وقد قام بهذه المحاولات شعراءُ أحسُّوا بضرورة إحياء الصورةِ القديمةِ للشعر، ولكنهم لم يقوَوْا على التحليق في أجواء الشعر الصحيح إلا بقدْرٍ محدود، فكانت أشعارُهُم تدلُّ على هذا البعث بتطلُّعها أكثرَ مما تدل بمُقوِّماتها الفنية واقتدارها على المحاكاة والمجاراة، كأشعار السَّاعاتي وصالح مجدي وعبد الله فكري من المصريين ، وناصيف اليازجي ويوسف الأسير و إبراهيم الأحدب من السوريين.
وكان انبعاثُ الشِّعر يعني أمرا واحداً، وهو إحياءُ الصُّورة القديمة التي كان ينسُج عليها فحول الشعراء المتقدمين، لكن ما طبيعة هذا الانبعاثِ، وما خصائصُه؟
وأُولى خصائصِ هذا الاِنبعاثِ-حسب الكاتب- أنه صحّح مفهوم الشِّعْرِ لدى الشاعر ولدى المجتمع على السّواءِ، فقدْ كان الشِّعر قبل فترة الانبعاث قد انحطَّ بحكم سوء فهمِ رسالته أو بحكْم فسادِ مفهومه لدى الشاعر ومن بتوجه إليه الشاعر بشعره، فاعتبرَه هذا وذاك ملهاةً وتسليةً وفنا من فنون المُغالبةِ بالكلام في صناعة الألفاظ والأوزان، ولا تعْرِضُ هذه الآفة إلى عصر من عصور الأدب إلا أوْدت بالشِّعر في مهاوِي الإسفَاف والغلوِّ في التصنُّع وتشويه المعاني وتكلُّف المحسنات، وقد انطلق البارودي في رِيادته لبعْث الشِّعر الصَّحيح من تفسير مفهوم الشعر أو تحديد مفهومه أو إحيائه على السواء، وذلك حين قدَّم لديوانه بمقدمة حدَّد فيها معنى الشِّعر، وكيف تحرَّك وجدانه به. وقُصارَى القول في هذا الفهم أن الشعر عند البارودي فيضُ وجدان وتألُّق خيالٍ، وأن اللِّسان ينفُث منه ما يجده من ذلك الفيض أو هذا التألق. وأن رسالة الشعر تهذيبُ النفس وتنبيه الخواطر واجْتلاء المكارم، وأن جيده ما كان مؤْتلف اللفظ بالمعنى قريب المنزل بعيد المرمى، سليما من وصمة التكلُّف بريئا من عَشْوَة التعسُّف.
وثاني هذه الخصائص أن الشعر أزاح عن نفسه على يد البارودي كل ما طمَس رُواءَه من أصباغ الصناعة البديعيَّة، من كُلفة التلاعب اللفظيِّ، أو من أوْضار التقليد كاقتناص التّوريات والتّضمينات إلى كتابة التأريخ وتطْريز الأعاريض والاختفاء بضروب البديع، وبذلك قام الشعر من جديد على أسُسه القديمة من متانة التركيب وجزالة اللفظ ونصاعة المعنى وقوُّة الجرْس.
أما ثالث هذه الخصائص فهو الاقتباس من القديم بأوسع ما تدلُّ عليه كلمة الاقتباس من معانٍ، فقد تغذَّت حركة هذا الشعر من الشعر القديم لفحول الشعراء وأعلامِهم في عصور الازدهار، تأثرت بصورهم الأدبية وبطرائقهم في التعبير والمجاز، وبألفاظهم ومعانيهم في كل بابٍ من أبواب القول وفنون القَريض.
ورابع هذه الخصائص هو النَّزْعة البيانية في هذا الشعر، والمقصودُ بها أن شعراءَ هذا البعث، وفي مقدمتهم البارودي، استبدلوا الصياغة البيانيَّة من النَّظْمِ البديعيِّ. فعادوا بالشعر إلى طريقة القدماء وإلى اعتمادهم على المجاز والاستعارة. وعلى هذه الصُّورة الوصفية المادية أو الملموسة للمعاني عن طريق التشبيه والمجاز.
ونحب أن نؤكد مرَّة أخرى هنا أن البارودي لم ينهضْ وحده بحركة البعث الشعريِّ، بل شاركته طائفةٌ من الشعراء عاصروه. وبذلك لم يكن هذا البعث الشعريّ مصادفةً واتفاقا، يُفسَّر بالنُّبوغ وحده، وإنما كان نتيجةً من نتائج حركة الانبعاث القوميّ والدينيّ، كما فسَّرنا، ونتيجةً أيضا من نتائج الحياة العامَّة التي كان يحياها العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
محمد الكتاني:الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث،ج1،دار الثقافة،ط1،1982،ص:247 وما بعدها بتصرف.
جاءت حركةُ انبعاثِ الشعرِ العربيِّ مرتبطةً بإحياء القديم وبالاِطّلاع على مذاهب القدماء في تناوُلِ الأغراض والتّعبير عن المعاني، وكان من وراء حركة الإحياء وعيٌ بالماضي ومن وراء هذا الوعي الشعورُ بأنه مستقرُّ المثل الأعلى، وهكذا يجب أن تُحْفَظ المراتب في التعليل، لا أن يلقى بها جزافا بحيث تقع كما يتَّفِق لها أن تقع بين السَّببية أو المسبََّبية.
لقد جاءتْ حركةُ البعثِ للشعرِ العربيِّ على مراحلَ من التدرُّجِ في التحرّرِ من التقليد، فقدِ انتقل الشعر العربيُّ من طوْرٍ هو أشبه بالموت، موتِ المعاني الشعرية في النظم، ونضوبِ ماء العاطفة والوجدان فيهِ، واختفاء النَّزعة الذاتية المميزة لشاعر عن شاعر، إلى طورِ انبعاثه بإحياء المعاني القديمة، فهو بعثٌ بالقياس إلى صورة الشعر العربي القديم، لأن هذا الشعرَ كان قد بلغ مبلغَه من الكمال والقوَّة في عصورٍ خلَتْ، ثم تحولَّت عنه الأذواقُ بدافع الإفراطِ في التصنُّع أو طلب التصنيع، ثم قصَّرت عن فهمه الطِّباع، وباعدت العهود المتعاقبة بين المشتغلين بالأدب وبين التراث الأدبيِّ السَّليم، بانتشار العُجْمةِ وانحراف السلائِق وضَعف اللغة وانتكاس سلطان الدولة العربية، وبذلك خمَدت الرُّوح القومية والمشاعر الذاتية، فلما عادت هذا المعاني إلى الظهور وبزوال موانعها وتوفر أسبابها من انتعاش الروح القومية ،وسريان الوعي الديني، والالتفات إلى الماضي وإحياء تراثه واجتلاءِ المعاني الذاتية والوجدانية في الشعر القديم، سرَى نُسْغُ الحياة من جديدٍ في جذُور الشعر العربيِّ شيئاً فشيئا، على نحو من التدرُّجِ والانفتاح، والاقتراب من سلامة الطَّبع، والبعدِ عن غَثاثة النظم العروضيِّ الثقيل. وهو بعثٌ أيضا بالقياس إلى الماضي، فمن خلال تقويم الشعر على أساس اعتبار القديم منه مستقرَّ المثل الأعلى في هذا العصر، كان انبعاثه بمثابة حركةٍ إلى الوراء إلا أنه لم يكن بد من أن تكون هذه الحركة سابقةً للقيام بالحركة التالية إلى الأمام.
منذ بداية سبعينات القرن التاسع عشرَ تبدأ مرحلة جديدة في حياة الآداب العربية و تُثْمر محاولاتٍ شعريةٍ جريئة تمهِّد الطريق أمام شعراء النهضة، وقد قام بهذه المحاولات شعراءُ أحسُّوا بضرورة إحياء الصورةِ القديمةِ للشعر، ولكنهم لم يقوَوْا على التحليق في أجواء الشعر الصحيح إلا بقدْرٍ محدود، فكانت أشعارُهُم تدلُّ على هذا البعث بتطلُّعها أكثرَ مما تدل بمُقوِّماتها الفنية واقتدارها على المحاكاة والمجاراة، كأشعار السَّاعاتي وصالح مجدي وعبد الله فكري من المصريين ، وناصيف اليازجي ويوسف الأسير و إبراهيم الأحدب من السوريين.
وكان انبعاثُ الشِّعر يعني أمرا واحداً، وهو إحياءُ الصُّورة القديمة التي كان ينسُج عليها فحول الشعراء المتقدمين، لكن ما طبيعة هذا الانبعاثِ، وما خصائصُه؟
وأُولى خصائصِ هذا الاِنبعاثِ-حسب الكاتب- أنه صحّح مفهوم الشِّعْرِ لدى الشاعر ولدى المجتمع على السّواءِ، فقدْ كان الشِّعر قبل فترة الانبعاث قد انحطَّ بحكم سوء فهمِ رسالته أو بحكْم فسادِ مفهومه لدى الشاعر ومن بتوجه إليه الشاعر بشعره، فاعتبرَه هذا وذاك ملهاةً وتسليةً وفنا من فنون المُغالبةِ بالكلام في صناعة الألفاظ والأوزان، ولا تعْرِضُ هذه الآفة إلى عصر من عصور الأدب إلا أوْدت بالشِّعر في مهاوِي الإسفَاف والغلوِّ في التصنُّع وتشويه المعاني وتكلُّف المحسنات، وقد انطلق البارودي في رِيادته لبعْث الشِّعر الصَّحيح من تفسير مفهوم الشعر أو تحديد مفهومه أو إحيائه على السواء، وذلك حين قدَّم لديوانه بمقدمة حدَّد فيها معنى الشِّعر، وكيف تحرَّك وجدانه به. وقُصارَى القول في هذا الفهم أن الشعر عند البارودي فيضُ وجدان وتألُّق خيالٍ، وأن اللِّسان ينفُث منه ما يجده من ذلك الفيض أو هذا التألق. وأن رسالة الشعر تهذيبُ النفس وتنبيه الخواطر واجْتلاء المكارم، وأن جيده ما كان مؤْتلف اللفظ بالمعنى قريب المنزل بعيد المرمى، سليما من وصمة التكلُّف بريئا من عَشْوَة التعسُّف.
وثاني هذه الخصائص أن الشعر أزاح عن نفسه على يد البارودي كل ما طمَس رُواءَه من أصباغ الصناعة البديعيَّة، من كُلفة التلاعب اللفظيِّ، أو من أوْضار التقليد كاقتناص التّوريات والتّضمينات إلى كتابة التأريخ وتطْريز الأعاريض والاختفاء بضروب البديع، وبذلك قام الشعر من جديد على أسُسه القديمة من متانة التركيب وجزالة اللفظ ونصاعة المعنى وقوُّة الجرْس.
أما ثالث هذه الخصائص فهو الاقتباس من القديم بأوسع ما تدلُّ عليه كلمة الاقتباس من معانٍ، فقد تغذَّت حركة هذا الشعر من الشعر القديم لفحول الشعراء وأعلامِهم في عصور الازدهار، تأثرت بصورهم الأدبية وبطرائقهم في التعبير والمجاز، وبألفاظهم ومعانيهم في كل بابٍ من أبواب القول وفنون القَريض.
ورابع هذه الخصائص هو النَّزْعة البيانية في هذا الشعر، والمقصودُ بها أن شعراءَ هذا البعث، وفي مقدمتهم البارودي، استبدلوا الصياغة البيانيَّة من النَّظْمِ البديعيِّ. فعادوا بالشعر إلى طريقة القدماء وإلى اعتمادهم على المجاز والاستعارة. وعلى هذه الصُّورة الوصفية المادية أو الملموسة للمعاني عن طريق التشبيه والمجاز.
ونحب أن نؤكد مرَّة أخرى هنا أن البارودي لم ينهضْ وحده بحركة البعث الشعريِّ، بل شاركته طائفةٌ من الشعراء عاصروه. وبذلك لم يكن هذا البعث الشعريّ مصادفةً واتفاقا، يُفسَّر بالنُّبوغ وحده، وإنما كان نتيجةً من نتائج حركة الانبعاث القوميّ والدينيّ، كما فسَّرنا، ونتيجةً أيضا من نتائج الحياة العامَّة التي كان يحياها العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
محمد الكتاني:الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث،ج1،دار الثقافة،ط1،1982،ص:247 وما بعدها بتصرف.
ثانيا: تحليلُ المقالة الأدبيّة
عرف الشِّعر العربيُّ قبل عصر النهضة (ق19) انحطاطا وتدهوراً، ومرَّ بفترات عصيبةٍ هيْمن فيها التَّصنيع والتّكلُّف وساد فيها الولَعُ بالشَّكل ،حيث كان شعراء عصر الانحطاط يهتمُّون بألوان البديع وتفاهةِ الأغراض على حساب المعنى، وهكذا حصَروا الشّعر في بوتَقَة التَّصنيع حتى كاد يحتضِر ويَلفظُ أنفاسه الأخيرة. لكنَّ شعراء البعث والإحياء حمَلُوا مِشْعل إحيائه وعمِلوا على بعْثه من جديدٍ ، وذلك من خلال العودةِ إلى الشِّعر القديم ومحاولة النَّسج على منوال الفُحُولِ، ومُجَاراتِهم في طريقة بناء القصيدة والتّصوير والنظم والصّياغة، ومنْ أبرز هؤلاء نذكُر: محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي،وحافظ إبراهيم .ولما استقرَّتِ الحركةُ على قدمين ثابتَتيْن راسختينِ تَلتْها دراسات نقديّة و قامت على إِثْرها تأليفاتٌ نظريةٌ موازية، عمِلت على إبراز خصائص حركة إحياء النموذج والتعريف بها وتقريبها من جمهور المتلقّين ، من خلال استثْمار ما جاءت به المناهج الحديثة ، ومِن أبرز النّقاد الذين دَرسوا شعر البعث والإحياء نجد :شوقي ضيف ،و أحمد علي سعيد الملقَّب بأدونيس، وصاحب النص "محمد الكتَّاني"، الذي يُعدُّ من أبرز الدّارسين المغاربة الذين نظَّروا لشعر إحياء النّموذج وتناولوه بالدِّراسة والنقد.فما القضيَّة التي يعالجها النّص؟ وما طرائق العرض المعتمدة من قِبَلِ الكاتب ؟
إنّ أول ما يسترعي انتباه القارئ هو العنوان الماثلُ أعلى الصفحة الذي جاء عبارة عن مركّب اسمي "انبعاث الشعر العربي"،و يتشكَّل من مبتدإ "انبعاث" وهو مضاف ، و "الشعر" مضاف إليه ، و" العربيُّ " نعت يحدّد طبيعة الشّعر وانتماءَه ، فيما الخبر هو متن النص ، ومن الناحية الدلالية يحيل مصطلح "انبعاث" على عودة الحياة ،أما "الشّعر العربيّ" فهو ذاك النّمط من القول الذي يكتب بلسان عربي ويخضع في بنائه ونظمه لضوابط معلومة إيقاعا ونظما وتصويرا ، ونفهم من العنوان أنّ الشعر الغربي انتقل من طور الموت إلى طور إحياء المعاني والعودة إلى عصوره الذهبيّة. فإلى أي حدٍّ يعْكس العنوان مضمون النّص؟
وانطلاقا من دلالةِ العنوانِ وشكل النصّ الطّباعيّ، و اتكاءً على بعض المشيرات النصّية الدّالة من قبِيل: (حركة انبعاث الشعر العربي، إحياء القديم ، موت المعاني،انتعاش الروح القومية، إحياء الصّورة القديمة،متانة التركيب وجزالة اللفظ ونصاعة المعنى...) نفترض أنّنا إزاءَ مقالة أدبيّة تنضوي تحت خطاب البعث والإحياء، يعالج فيها صاحبها قضيَّةً أدَبيّةً تتمثّلُ في "انبعاث الشعر العربي وخصائص حركة إحياء النموذج" .فما هذه الخصائص؟وما الإشكالية المطروحة؟ وما المفاهيم والقضايا المعروضة ؟وما الإطار المرجعي المعتمد من لدن الكاتب؟ وما طرائق العرض التي اعتمدها صاحب النص؟وأخيرا هل وفق الكاتب في إبراز خصائص شعر إحياء النموذج؟
إنّ أول ما يسترعي انتباه القارئ هو العنوان الماثلُ أعلى الصفحة الذي جاء عبارة عن مركّب اسمي "انبعاث الشعر العربي"،و يتشكَّل من مبتدإ "انبعاث" وهو مضاف ، و "الشعر" مضاف إليه ، و" العربيُّ " نعت يحدّد طبيعة الشّعر وانتماءَه ، فيما الخبر هو متن النص ، ومن الناحية الدلالية يحيل مصطلح "انبعاث" على عودة الحياة ،أما "الشّعر العربيّ" فهو ذاك النّمط من القول الذي يكتب بلسان عربي ويخضع في بنائه ونظمه لضوابط معلومة إيقاعا ونظما وتصويرا ، ونفهم من العنوان أنّ الشعر الغربي انتقل من طور الموت إلى طور إحياء المعاني والعودة إلى عصوره الذهبيّة. فإلى أي حدٍّ يعْكس العنوان مضمون النّص؟
وانطلاقا من دلالةِ العنوانِ وشكل النصّ الطّباعيّ، و اتكاءً على بعض المشيرات النصّية الدّالة من قبِيل: (حركة انبعاث الشعر العربي، إحياء القديم ، موت المعاني،انتعاش الروح القومية، إحياء الصّورة القديمة،متانة التركيب وجزالة اللفظ ونصاعة المعنى...) نفترض أنّنا إزاءَ مقالة أدبيّة تنضوي تحت خطاب البعث والإحياء، يعالج فيها صاحبها قضيَّةً أدَبيّةً تتمثّلُ في "انبعاث الشعر العربي وخصائص حركة إحياء النموذج" .فما هذه الخصائص؟وما الإشكالية المطروحة؟ وما المفاهيم والقضايا المعروضة ؟وما الإطار المرجعي المعتمد من لدن الكاتب؟ وما طرائق العرض التي اعتمدها صاحب النص؟وأخيرا هل وفق الكاتب في إبراز خصائص شعر إحياء النموذج؟
تطرّق الكاتبُ في مقالتهِ إلى معالجة قضيّة رئيسية تمثَّلت في " التَّعريف بشعر إحياء النموذج"، من خلال تِبيان أهمِّ خصائصه الشّكلية والمضمونية، وزاد على ذلك بأن وصَف حالَ الشّعر قبل انبعاثه مما جلّى المسْألة في ذهن المتلقّي، وقد تفرَّعت هذه القضيَّة إلى قضايا فرعية ثانوية ،منها ما هو ثنائيٌّ ، ومنها ما هو عامٌّ ،و نبيِّنها فيما يلي:
_قضايا ثنائيَّة : يمكن حصرهما في الآتي :
*قضية اللّفظ والمعنى :وهي قضية نشبت قديماً بين أنصار اللفظ وأنصار المعنى؛ ونجدها حاضرة في المقالة في اهتمام شعراء عصر الانحطاط باللفظ (التصنّع، كلفة التلاعب اللفظي، التّوريات ضروب البديع) وإهمال جانب المعنى ؛
*قضية الطَّبع والصَّنعة : ونشأت إبَّان الخلاف بين القدماء والمحدثين في العصر العباسيِّ، وتحضُر هذه القضية في النصِّ عند الإشارة إلى التَّصنيع والتكلف الذي رافق شعر عصر الانحطاط نتيجة ضَعف السَّلائق أي الطبائع والاعتماد على الصنعة والتّكلُّف، كما نجد الإشارة إلى الطّبع عند الحديث عن مفهوم الشعر عند الإحيائيين ،إذ هو "فيْض وجدان وتألّق خيال" يجري على اللسان في يُسرٍ وسلاسة دون عُسْرٍ أو تكلُّفٍ أو مكابَدةٍ.
والى جانب هذه القضايا الثُّنائية نجد الإشارةَ إلى قضايا عامّة، نبرزُها في الآتي:
*قضية عمود الشعر : وهي تلك العناصر السّبعة التي يقوم عليها الشّعر الجيد، ونجدها في النَّصِّ حاضرةً في قول الكاتب:(جزالة الألفاظ ، متانة التركي، قوة الجرس،التَّصوير البياني،نصاعة المعنى...)؛
* قضية مَفهوم الشِّعر : حيْث يعرض الكاتب للمفهوم الصَّحيح للشّعر عند شعراء إحياء النموذج ( فيض وجدان وتألق خيال ...)؛
* وظيفةُ الشعرِ : ويحصِرها في "تهذيب النفس ، واجْتِلاء المكارم ،وتنبيه الخواطر....
←وقد أسهمت القضايا السّابقة –على تعدُّدِها- في إضاءة القضية الرئيسيَّة وإيضاحها، وذلك من خلال تسْليط الضَّوء على سائِر جوانبها ، وجعلِها واضحةً في ذِهْن المتلقِّي تمهيداً لإقناعه بجماليةِ شعر إحياءِ النَّموذج ،ودوْره التّاريخيِّ في انتشال الشعر من أنفاق الظّلام وسراديب العتْمةِ.
_قضايا ثنائيَّة : يمكن حصرهما في الآتي :
*قضية اللّفظ والمعنى :وهي قضية نشبت قديماً بين أنصار اللفظ وأنصار المعنى؛ ونجدها حاضرة في المقالة في اهتمام شعراء عصر الانحطاط باللفظ (التصنّع، كلفة التلاعب اللفظي، التّوريات ضروب البديع) وإهمال جانب المعنى ؛
*قضية الطَّبع والصَّنعة : ونشأت إبَّان الخلاف بين القدماء والمحدثين في العصر العباسيِّ، وتحضُر هذه القضية في النصِّ عند الإشارة إلى التَّصنيع والتكلف الذي رافق شعر عصر الانحطاط نتيجة ضَعف السَّلائق أي الطبائع والاعتماد على الصنعة والتّكلُّف، كما نجد الإشارة إلى الطّبع عند الحديث عن مفهوم الشعر عند الإحيائيين ،إذ هو "فيْض وجدان وتألّق خيال" يجري على اللسان في يُسرٍ وسلاسة دون عُسْرٍ أو تكلُّفٍ أو مكابَدةٍ.
والى جانب هذه القضايا الثُّنائية نجد الإشارةَ إلى قضايا عامّة، نبرزُها في الآتي:
*قضية عمود الشعر : وهي تلك العناصر السّبعة التي يقوم عليها الشّعر الجيد، ونجدها في النَّصِّ حاضرةً في قول الكاتب:(جزالة الألفاظ ، متانة التركي، قوة الجرس،التَّصوير البياني،نصاعة المعنى...)؛
* قضية مَفهوم الشِّعر : حيْث يعرض الكاتب للمفهوم الصَّحيح للشّعر عند شعراء إحياء النموذج ( فيض وجدان وتألق خيال ...)؛
* وظيفةُ الشعرِ : ويحصِرها في "تهذيب النفس ، واجْتِلاء المكارم ،وتنبيه الخواطر....
←وقد أسهمت القضايا السّابقة –على تعدُّدِها- في إضاءة القضية الرئيسيَّة وإيضاحها، وذلك من خلال تسْليط الضَّوء على سائِر جوانبها ، وجعلِها واضحةً في ذِهْن المتلقِّي تمهيداً لإقناعه بجماليةِ شعر إحياءِ النَّموذج ،ودوْره التّاريخيِّ في انتشال الشعر من أنفاق الظّلام وسراديب العتْمةِ.
ولمناقشته قضية "انبعاث الشّعر" استنجد الكاتب بمجموعة من الأساليب والطّرائقِ التي سَهَّلت عليه تقْليب فِكرته وعرْضِها بشكل يُسهِّل إيصالها ، حيثُ اعتمد بادئَ الأمر على حُجج متنوعة ؛منها الواقعية التي تتمثل في الإشارة إلى الواقع العربيِّ في عصر الانحطاط وكذا واقع الشِّعر في تلك الفترة ، و التَّاريخيَّة تبرز عند الإشارة إلى تطوُّر الشِّعر العربي عبر العصور ، زِد على ذلك الحجج الأدبية وتتمظهر في قوله:"إحياء الصورة القديمة، مؤتلف اللفظ بالمعنى قريب المنزل بعيد المرمى، سليما من وصمة التكلف..."،وتكمن أهمية اللِّياذِ بالحجج في تدعيم الرأي والانتصار للفكرة وإقناع القارئ بها، وإضافةً إلى الحجج اعتمدَ طريقةَ المقارنةِ أثناء حديثِه عن حال الشعر في عصر الانحطاط (موت المعاني،الإفراط في التصنع،ملهاة وتسلية...)وحالهِ في عصر النهضة ( جزالة اللفظ ،نصاعة المعنى،فيض وجدان...)،وقد سعى من توظيفه للمقارنة إلى إبراز الفُروق بين المرحلتين، وبيانِ تميّز شعر إحياء النموذج، كما لجأ إلى أساليب التفسيرِ، خاصّةً أسلوب الوصف الذي يظهر جليّاً في إشارتِهِ لحالِ الشِّعر في عصريْ النّهضة والانحطاط، ومن ذلك وصفٌهُ للشّعرِ الجيدِ: "ما كان مؤتلف اللفظ بالمعنى، قريبَ المنزل، بعيد المرمى،سليماً من وصمة التكلّفِ،بريئا من عَشْوَةِ التَّعسّفِ "، ولم ينسَ التّعريف إذ عرّف الشِّعر بكونه"فيض وجدان وتألق خيال"، ناهيك عن السَّرد الذي أدّى دوره في الإخبارِ والتفسير والإقناع ، ولا يخفى ما زاده التّعريف والوصف من بيان ووضوح وشرحٍ لقضية انبعاث الشعر. ولعلّ ما زاد النَّص وضوحا توظيف لغةٍ مباشرة وأسلوب تقريريّ بعيدٍ عن التعقيدات اللفظية والحلى الشّعرية،
التعليقات على الموضوع