تحليل النص الفلسفي لصاحبه فرانسوا جاكوب
"إن الطبيعة المعقدة للأجسام الحية يترتب عنها – هي نفسها –
نوعان من الصعوبات: الأول يتمثل في أننا كلما حاولنا بلوغ الوحدات في أعماق
العضوية، فإننا قد نخاطر بإتلافها وعرقلة نشاطها، وربما إيقافه. وعليه، يتعين
إدخال التجريب على العضوية خطوة خطوة، وبكيفية تدريجية. أما النوع الثاني من الصعوبة، فيكمن في أن
الظواهر التي تحدث داخل الأعضاء الحية المختلفة في الكائنات الحية لا تستقل عن
بعضها البعض، (...) وعلى العالم الفيزيولوجي، إذن أن يسعى بواسطة التحليل التجريبي
إلى تجزئة العضوية، وعزل مكوناتها، ولكن لا
ينبغي أن يتصور هذه المكونات منفصلة عن بعضها البعض. (...)
اقرا ايضا :تـحليل نص الفلسفي لصاحبه عبد الرحمان مرحبا. كتاب: من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية
إن الظواهر البيولوجية ليست أشد تعقيدا بسبب طبيعتها، أو
بسبب خاصية ينفرد بها الكائن الحي، وإنما هي أشد تعقيدا بسب أننا لا نستطيع أبدا
عزلها،(...) وبدلا من العمل على استثناء الكائنات
الحية من الخضوع للقوانين التي تحكم المادة، على العالم
الفيزيولوجي أن يحاول دراسة الظواهر التي تجري داخل العضوية الحية، بالاعتماد على
مناهج الفيزياء والكيمياء، وعلى البيولوجيا كما يقول كلود برنارد أن تأخذ المنهج
التجريبي من العلوم الفيزيائية والكيميائية، لكن مع الاحتفاظ بظواهرها النوعية و
قوانينها الخاصة".
ملاحظة:
النص
يعالج موضوع الدراسات البيولوجية، يؤسس موقفا بأن البنية المعقدة التي تتميز بها
المادة الحية تقتضي الحذر عند التجريب على مستواها.
I - المقدمة (طرح المشكلة):
يندرج النص ضمن سياق الدراسات الإبستمولوجية، كونه
يعالج موضوع إمكانية ارتقاء الدراسات البيولوجية إلى مرتبة العلم الحقيقي، أو إمكانية
تطبيق المنهج التجريبي على مستوى الظواهر
الحية. وهذا ما شكل محور النقاش لدى الكثير من الدارسين، إذ أكد البعض منهم على
استحالة ذلك، كونها ظواهر انفردت بعنصر الحياة وجملة الوظائف الحيوية، فتفرض عوائق
إبستمولوجية على الدارس، في حين أكد البعض الآخر أن التطور في المنهج التجريبي، قد
جعل ما كان مستحيلا ممكنا، أي سمح بالتعامل مع الظواهر البيولوجية رغم بنيتها
الخاصة. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ وهل التعقيد الذي تتميز به الظواهر الحية
يمنع من التجريب على مستواها، أم أنها يمكن أن تخضع لنفس الدراسة التي تحكم بقية
عناصر الوجود؟ بل ما هو الموقف الذي يؤسسه فرانسوا جاكوب حول الموضوع
انطلاقا من أنه صاحب النص الذي نحن بصدد التعامل معه؟ وما هي الحجج والبراهين التي
اعتمدها لدعم موقفه؟
II - التوسيع (محاولة حل
المشكلة):
1 - موقف
صاحب النص:
يذهب الدكتور الفرنسي فرانسوا
جاكوب، للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن المادة الحية تتميز ببنية معقدة، جعلتها
تفرض على الدارس جملة من العوائق الإبستمولوجية، لكن هذا لا يعني استحالة التجريب
على مستواها، بل يعد تعبيرا على ضرورة احترام خصوصياتها أثناء الدراسة التجريبية.
والنص يحتوي على جمل تعبر على الموقف، إذ يقول: "وبدلا من العمل على استثناء الكائنات الحية من الخضوع للقوانين التي
تحكم المادة، على العالم الفيزيولوجي أن يحاول دراسة الظواهر التي تجري داخل
العضوية الحية بالاعتماد على مناهج الفيزياء والكيمياء " أي أن تعقيد المادة
الحية لا يمنع من دراستها.
2 - الحجج
و البراهين من النص:
ومن أجل التأكيد على طرحه استدل صاحب النص بجملة من الحجج و البراهين:
فالحجة الأولى تتمثل في قوله:
"الأول يتمثل في أننا كلما حاولنا بلوغ الوحدات في أعماق العضوية، فإننا قد
نخاطر بإتلافها وعرقلة نشاطها". وذلك من أجل التأكيد أن المادة الحية تتميز
ببنية
معقدة، وهذا ما يفرض
الحذر عند التجريب على مستواها.
والحجة الثانية تتمثل في قوله: "أما النوع الثاني من الصعوبة، فيكمن
في أن الظواهر التي تحدث داخل الأعضاء الحية المختلفة في الكائنات الحية لا تستقل
عن بعضها البعض ". وذلك من أجل
التأكيد على خصوصية الظاهرة الحية التي تفرض صعوبة العزل، ومن ذلك توصل أن العالم
البيولوجي بإمكانه التجريب على مستواها، لكن دون أن يؤثر على وحدتها.
والحجة الثالثة فتتمثل في قوله:
"وعلى
البيولوجيا كما يقول كلود برنارد أن تأخذ المنهج التجريبي من العلوم الفيزيائية والكيميائية، لكن مع
الاحتفاظ بظواهرها النوعية، وقوانينها الخاصة". هي حجة واقعية، تتمثل
بالاستشهاد بكيفية تعامل الطبيب الفرنسي كلود برنارد مع الظواهر الحية، وذلك
من أجل التأكيد أن المادة الحية حقا معقدة، وتعقيدها لا يؤثر على دراستها، لكن
ينبغي الحذر من التأثير السلبي على بنيتها.
3 - نقد
وتقييم :
إن الدراسة النقدية
للموقف والحجج تجعلنا نقف على أن صاحب النص وفق في
احترام مبادئ انطباق الفكر مع ذاته، (مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض، مبدأ الثالث
المرفوع، مبدأ السبب الكافي) وهذا ما يضمن انسجام أفكاره من الناحية المنطقية. أما
من الناحية المعرفية فنجد النص ينتمي إلى مجال الدراسات الإبستمولوجية، أو
القراءات النقدية لنتائج العلوم، ونجد أن طرح
فرانسوا جاكوب قد أثبته الواقع، لأن البيولوجيا حقا
سمحت بالكشف عن خبايا الظواهر الحية بتجاوز العوائق التي كانت تفرضها، وهو ما
يتجلى من خلال الاستنساخ، التهجين، العمليات الجراحية الناجحة، وزرع الأعضاء، وهذا
ما أكده كلود برنارد في كتابه المدخل لدراسة الطب التجريبي، لأنه توصل أن
المادة الحية هي نفسها المادة الجامدة، إنما أكثر تعقيدا ليس إلا، وتعقيدها لا
يؤثر على دراستها.
لكن
في المقابل لموقف صاحب النص، نجد موقفا معارضا أكد أنصاره أن الحياة هي جملة
الوظائف التي تقاوم الموت، أي لا يمكن
تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الحية بنفس الكيفية التي تمت على
الظواهر الفيزيائية، لأنها تنفرد بجملة من الوظائف الحيوية، فتفرض على الدارس جملة
من العوائق، والتي من المستحيل أن يتجاوزها الفكر الإنساني، وهو ما أشار إليه جورج
كوفيي بقوله: "إن سائر أجزاء الجسم الحي متداخلة فيما بينها، ومحاولة عزل
أي عضو عن البنية الكلية تعني نقله إلى نظام الذوات الميتة، أي تبديل ماهيته
تبديلا كليا". نفس الرؤية وجدت عند المفكر الفرنسي هنري برغسون، حيث
توصل أنه إذا كان من الممكن التنبؤ على مستوى الظواهر الميتة، فإن ذلك مستحيل على
مستوى الكائنات الحية، لذا يقول: "مع الظواهر الحية ظهرت المظاهر الفجائية
التي لا يمكن التنبؤ بها".
اقرا ايضا : تحليل نص فلسفي لصاحبه: محمد عابد الجابري
III - الخاتمة
(حل المشكلة):
ختام القول
يمكن التأكيد أن العوائق التي تفرضها الظواهر الحية، لا تعد مانعا للتجريب على
مستواها، لأن التطور في المنهج التجريبي قد جعل ما كان مستحيلا ممكنا، سمح بتجاوز
العوائق التي كانت تفرضها يوما، والواقع يثبت ذلك، يثبت أن تجاوز العوائق ولو بصفة
نسبية تم بعد اعتماد البيولوجيا على ما حققته الدراسات الفيزيائية والكيميائية. كل
هذا يعني أن الدراسات البيولوجية لا زالت تبحث عن معالمها لترتقي إلى مرتبة العلم
الحقيقي الذي يراعي خصوصية الظواهر التي يتعامل معها.
تحميل مقالة برابط مباشر :
او
Microsoft Word
لمزيد من نصوص اضغط هنا اي استفسار ضعه في تعليق الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا
شكرا
ردحذف