تحليل النص الفلسفي لصاحبه إدموند هوسرل
"في القرن 19 حدثت ثورة في المجال الرياضي،
فلم تعد الهندسة الإقليدية والهندسة التحليلية لديكارت هي الوحيدة في مجال العمل
عند الرياضيين، بل اكتشف الرياضيون بدايات جديدة انطلق بعدها العلم الرياضي، وبدأ
ذلك مع بونسليه، حيث أدخل فكرة المنظور في تعريف الأشكال الهندسية، فتغيرت
بذلك التعريفات، مثلا الدائرة أصبحت تعرف بأنها شكل مخروطي، والخط بأنه يتكون من نصفي
خطين، كما ظهرت الهندسة غير الإقليدية، كهندسة لوباتشفسكي، وريمان، وتغير
بذلك مفهوم المكان عند هيرمين فيل، إلياكارتل وَأنشتاين، كما
أدخل موريس فريجة فكرة المكان المجرد. وهكذالم تعد الهندسة علم دراسة
المكان باعتبار أن هناك مفهوما واحدا للمكان، بل أصبحت علم دراسة الأماكن."
اقرا ايضا :تـحليل نص الفلسفي لصاحبه عبد الرحمان مرحبا. كتاب: من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية
ملاحظة:
النص يعالج موضوع الرياضيات، يؤسس موقفا بأن الرياضيات المعاصرة تعد تجاوزا
للمفاهيم الكلاسيكية.
I - مقدمة
(طرح المشكلة):
يندرج النص ضمن سياق
الدراسات الإبستمولوجية، كونه يعالج موضوع الرياضيات التي تعد العلم المهتم بدراسة
المقادير القابلة للقياس، والمقدار يسمى كما، والكم نجد منه المتصل، ومجاله الهندسة، كما نجد منه
المنفصل، ومجاله الجبر أو الحساب. الرياضيات عرفت تعددا في الأنساق والمفاهيم حسب
التطور الزماني للفكر الإنساني، وهذا ما جعل الكثير من الدارسين يؤكدون أنها أسست
قطيعة مع مبادئها الأولى، لكن رفض البعض الأخر فكرة التجاوز، وأكدوا أنها تعد لغة
لكل العلوم، لكونها تعتمد مبادئ ثابتة، وكل ما حققه التقدم، هو فقط امتداد لما
طرحه إقليدس. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ وهل تعد الرياضيات المعاصرة تجاوزا أم امتداد
للهندسة الإقليدية؟ بل ما هو الموقف الذي يؤسسه إدموند هوسرل انطلاقا من أنه صاحب
النص الذي نحن بصدد التعامل معه؟ وما هي أهم الحجج والبراهين التي اعتمدها لدعم
موقفه؟
II - التوسيع (محاولة حل المشكلة):
1 - موقف صاحب النص:
يذهب المفكر الألماني إدموند هوسرل في نصه هذا المقتبس
من كتابه تأملات ديكارتية، للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن الرياضيات
المعاصرة تعد تجاوزا للمفاهيم الإقليدية، خاصة وأن التطور في الفكر فرض ضرورة
القطيعة مع المفاهيم السابقة. والنص يحتوي على جمل تعبر عن الموقف إذ يقول هوسرل:
"في القرن 19 حدثت ثورة في المجال
الرياضي". أكد أن الفكر المعاصر تجاوز الهندسة الإقليدية، والتحليلية
الديكارتية فجعل الرياضيات تتميز بالنسبية وتعدد أنساقها، وهذا هو الذي يضمن لها القدرة
على مسايرة التقدم العلمي.
2 - الحجج والبراهين من النص:
ومن أجل التأكيد على
طرحه استدل صاحب النص بجملة من الحجج والبراهين:
فالحجة الأولى تتمثل في قوله: "فلم تعد الهندسة الإقليدية
والهندسة التحليلية لديكارت هي الوحيدة في مجال العمل عند الرياضيين"، هي حجة
من أجل التأكيد على أن الرياضيات المعاصرة تجاوزت الفكر الكلاسيكي الإقليدي، إذ حطمت
فكرة البداهة التي كانت تبنى عليها الهندسة التحليلية الديكارتية. وهذا ما يعني
أنها نسبية في اليقين، ونسبيتها هي التي جعلتها قادرة على مسايرة التطور العلمي.
والحجة الثانية: تتمثل في قوله: "وبدأ ذلك مع بونسليه
حيث أدخل فكرة المنظور في تعريف الأشكال الهندسية" وذلك من أجل التأكيد على ظهور مفاهيم رياضية جديدة، خاصة
وأن فكرة الإسقاط والمنظور طرحت إمكانية التعامل مع الأشكال الهندسية من زوايا
متعددة، وهذا مالم يتحقق في الفكر الإقليدي.
أما الحجة الثالثة تتمثل في قوله: "كما ظهرت الهندسة غير الإقليدية،
كهندسة لوباتشفيسكي وَريمان وتغير بذلك مفهوم المكان عند هيرمين
فيل، إلياكارتل وَأنشتاين، كما أدخل موريس فريجة فكرة
المكان المجرد". وذلك من أجل التأكيد
أيضا على تحطيم أنصار النسق الأكسيومي لمبادئ الهندسة الإقليدية، لأنه افترض أن
المستوي مسطح، فاستنتج أن مجموع زوايا المثلث مساو لقائمتين، لكن افترض ريمان أن
المستوي محدب، فاستنتج أن مجموع الزوايا هو أكبر من قائمتين، كما افترض العالم
الروسي لوباتشفيسكي أن المستوي مقعر، فتوصل أن مجموع الزوايا هو أقل من
قائمتين. وهذا التعدد في الأنساق يعد دليلا على أن يقين الرياضيات أصبح فقط مرتبط
بالانسجام بين المقدمات والنتائج وليس الصدق الحقيقي، الذي كان يبحث عنه أنصار
الرياضيات الكلاسيكية.
3 - نقد وتقييم:
إن الدراسة النقدية للموقف والحجج تجعلنا نقف على أن صاحب النص وفق
في احترام مبادئ انطباق الفكر مع ذاته، (مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض، مبدأ
الثالث المرفوع، مبدأ السبب الكافي) وهذا ما يضمن انسجام أفكاره من الناحية
المنطقية. أما من الناحية المعرفية فنجد النص ينتمي إلى مجال الدراسات الإبستمولوجية،
أو القراءات النقدية لنتائج العلوم، ونجد أن طرح إدموند هوسرل قد أثبته
الواقع، لأن الرياضيات حقا تغيرت من حيث
مفاهيمها، وأصبح من غير الممكن التمييز بين البديهية والمصادرة في النسق الأكسيومي،
خاصة بعد تحطيم جورج كانتور فكرة البداهة من خلال نظرية المجموعات. حقا
الرياضيات أصبحت تتميز بالنسبية في اليقين، لأنها ارتبطت بالتعدد في الأنساق، وهذا
ما أكده بولفان بقوله: "إن كثرة الأنظمة في الهندسة
لدليل على أن الرياضيات ليست فيها حقائق مطلقة".
لكن في
المقابل لموقف صاحب النص نجد موقفا معارضا، قد أكد أنصاره أن الرياضيات المعاصرة
لا تعد تجاوزا، بل امتداد للهندسة الإقليدية، والتي تحتوي على مبادئ لا يمكن أن
تتغير كونها فطرية مرتبطة بنسيج الفكر البشري، (البداهة). أكدوا أن أنصار النسق
الأكسيومي لم يقدموا مفاهيم جديدة، بل فقط انتقدوا الهندسة الكلاسيكية من أجل النقد،
ونقدهم رفضه الواقع الذي لازال يحترم الرياضيات الكلاسيكية ويتجاهل المعاصرة.
وكتوفيق بين موقف صاحب النص والموقف المعارض له يمكن التأكيد أن الرياضيات
المعاصرة تعد تجاوزا لبعض المفاهيم الإقليدية (المسلمات) وامتداد لبعضها الآخر
الذي لا يقبل التغيير، (البديهيات والتعريفات) وهذا ما يعني أن الرياضيات تتعدد
ضمن ثنائية المطلق والنسبي في اليقين.
اقرا ايضا : تحليل النص الفلسفي لصاحبه فرانسوا جاكوب
III - الخاتمة (حل
المشكلة):
ختام القول
يمكن التأكيد أن الرياضيات المعاصرة لا تعد تجاوزا للمفاهيم الكلاسيكية، لأن أكبر
المعاهد لازالت تعتمد المنظومة الإقليدية. لأن إقليدس طرح مبادئ فطرية لا يمكن
رفضها خاصة البداهة، والتي تعد من مبادئ العقل الفطرية. لكن لا يمكن تجاهل قيمة
النسق الفرضي الأكسيومي، لأن طرح مفاهيم جديدة في الرياضيات جعلتها أكثر قرابة مع الواقع،
جعلتها ممتلكة للمعالم التي تقربها من خصائص العلم المعاصر الذي ينزع إلى النسبية.
تحميل مقالة برابط مباشر :
او
التعليقات على الموضوع